الْمُسْلِمُونَ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْأَسْبَابِ، وَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (٣: ١٦٥) وَقَدْ وَفَّيْنَا هَذَا الْبَحْثَ حَقَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَسَنَعُودُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ قُوَّةٍ (٦٠) وَغَيْرِهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وَمَا أَضْعَفَ التُّرْكَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ شُعُوبِ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا تَرْكُهُمْ لِهِدَايَةِ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا وَغَيْرِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْفَضَائِلِ، وَسُنَنِ اللهِ فِي الِاجْتِمَاعِ الَّتِي انْتَصَرَ بِهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَاسْتِبْدَادُ حُكَّامِهِمْ فِيهِمْ، وَإِنْفَاقُ أَمْوَالِ الْأُمَّةِ وَالدَّوْلَةِ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي شَهَوَاتِهِمْ، وَقَدِ اتَّبَعَ الْإِفْرِنْجُ تَعَالِيمَ الْإِسْلَامِ فِي الِاسْتِعْدَادِ فِي الْأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ مِنْ سُنَنِ اللهِ فِي الْعُمْرَانِ فَرَجَحَتْ بِهِمْ كِفَّةُ الْمِيزَانِ، وَسَيَتَّبِعُونَهَا فِي الْأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ بَعْدَ أَنْ تُبَرِّحَ بِهِمُ التَّعَالِيمُ الْمَادِّيَّةُ وَالْبَلْشَفِيَّةُ، وَيَتَفَاقَمُ فَسَادُهَا فِي أُمَمِهِمْ، حَتَّى تُخَرَّبَ بُيُوتُهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، مِنْ حَيْثُ فَقَدَ الْمُسْلِمُونَ الْجُغْرَافِيُّونَ النَّوْعَيْنِ كِلَيْهِمَا مِنْ تَعَالِيمِهِ، وَقَامَ الْجَاهِلُونَ مِنْهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ، بِمَا أَفْسَدُوا وَابْتَدَعُوا فِيهِ وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ.
وَأَمَّا الْأُمُورُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الَّتِي مَكَّنَتْ سَلَفَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ فَتْحِ بِلَادِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الشُّعُوبِ فَهِيَ أَكْبَرُ حُجَّةٍ لِلْإِسْلَامِ أَيْضًا، إِذْ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ إِلَّا مَا كَانَ أَصَابَ تِلْكَ الشُّعُوبَ مِنَ الشِّرْكِ وَفَسَادِ الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ، وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ، مِنْ فُشُوِّ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَسُلْطَانِ الْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ، الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَامُ لِإِزَالَتِهَا، وَاسْتِبْدَالِ التَّوْحِيدِ وَالْفَضَائِلِ بِهَا، وَلِهَذَا وَحْدَهُ نَصَرَهُمُ اللهُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا، إِذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالتَّارِيخِ فِي أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا دُونَ تِلْكَ الشُّعُوبِ كُلِّهَا فِي الِاسْتِعْدَادِ الْحَرْبِيِّ الْمَادِّيِّ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَا يَمْتَازُونَ بِهِ إِلَّا إِصْلَاحُ الْإِسْلَامِ الْمَعْنَوِيِّ. وَلَمَّا أَضَاعَ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْعَقَائِدَ وَالْفَضَائِلَ، وَاتَّبَعُوا سُنَنَ تِلْكَ الْأُمَمِ مِنَ الْبِدَعِ وَالرَّذَائِلِ - وَهُوَ مَا حَذَّرَهُمُ الْإِسْلَامُ مِنْهُ - ثُمَّ قَصَّرُوا فِي الِاسْتِعْدَادِ الْمَادِّيِّ لِلنَّصْرِ فِي الْحَرْبِ فَفَقَدُوا النَّوْعَيْنِ مِنْهُ، عَادَ الْغَلَبُ لِغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ.
فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى هِدَايَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَشْفَ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ غُمَّةٍ، لِتَسْتَحِقَّ نَصْرَهُ بِاتِّبَاعِ شَرْعِهِ، وَمُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ، وَبِتَقْوَاهُ الْمُثْمِرَةِ لِلْفُرْقَانِ فِي الْعُلُومِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَعْمَالِ، فَيَعُودُ لَهَا مَا فَقَدَتْ مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ اللهُمَّ آمِينَ.
تَمَّ تَفْسِيرُ الْجُزْءِ التَّاسِعِ كِتَابَةً وَتَحْرِيرًا بِفَضْلِ اللهِ، وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ (فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ ١٣٤٦، وَنَسْأَلُهُ الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِإِتْمَامِ مَا بَعْدَهُ) وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ أَوَّلًا وَآخِرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute