للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ تَكُنِ الْحَالُ قَدْ تَغَيَّرَتْ عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ عَقِبَ وَقْعَتِهَا وَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ حِكْمَةُ النَّسْخِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ لِقَوْلِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَذَا بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ بِإِبَاحَةِ الْهِجْرَةِ بِهَا.

وَقَالَ الْحَافِظُ: قَالَ السُّهَيْلِيُّ: آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ لِيُذْهِبَ عَنْهُمْ وَحْشَةَ الْغُرْبَةِ، وَيَتَأَنَّسُوا مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ، وَيَشُدَّ بَعْضُهُمْ أَزْرَ بَعْضٍ، فَلَمَّا عَزَّ الْإِسْلَامُ، وَاجْتَمَعَ الشَّمْلُ وَذَهَبَتِ الْوَحْشَةُ أُبْطِلَتِ الْمَوَارِيثُ وَجَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ إِخْوَةً، وَأَنْزَلَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (٤٩: ١٠) يَعْنِي فِي التَّوَادُدِ وَشُمُولِ الدَّعْوَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَائِهَا فَقِيلَ: بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ، وَقِيلَ: قَبْلَ بِنَائِهِ، وَقِيلَ بِسَنَةٍ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ بَدْرٍ اهـ.

أَقُولُ: فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ التَّوَارُثُ بِالْمُؤَاخَاةِ حَصَلَ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَنُسِخَ بَعْدَهَا فِي سَنَتِهَا؟ وَهَلْ تَظْهَرُ الْحِكْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا السُّهَيْلِيُّ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؟ كَلَّا إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ عَزَّ بِغَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَكِنَّ الشَّمْلَ لَمْ يَجْتَمِعْ، وَالْوَحْشَةَ لَمْ تَذْهَبْ، وَالسَّعَةَ فِي الرِّزْقِ لَمْ تَحْصُلْ، وَكَانَ لَا يَزَالُ أَكْثَرُ أُولِي الْقُرْبَى مُشْرِكِينَ.

(ثُمَّ قَالَ) : وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُؤَاخَاةَ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِأَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ: " تَآخَوْا أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ " فَكَانَ هُوَ وَعَلِيٌّ أَخَوَيْنِ،

وَحَمْزَةُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَخَوَيْنِ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَخَوَيْنِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّ جَعْفَرًا كَانَ يَوْمَئِذٍ بِالْحَبَشَةِ إِلَخْ.

(أَقْوَالٌ) : وَقَدْ تَكَلَّفُوا الْجَوَابَ عَنْ هَذَا وَلَكِنْ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَةِ تَعَقُّبَاتٌ أُخْرَى مِثْلُهَا، وَابْنُ إِسْحَاقَ غَيْرُ ثِقَةٍ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَنْ وَثَّقَهُ لَمْ يُنْكِرْ أَنَّهُ كَانَ مُدَلِّسًا، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَذْكُرْ سَنَدًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ هُنَا، إِذْ لَوْ ذَكَرَ سَنَدًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ هُنَا، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَحْدَهُمْ، فَإِنَّ عَلِيًّا وَحَمْزَةَ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَهَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِ مَنْ قَالُوا: إِنَّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَتْ بِمَكَّةَ.

(ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ) مُحَاوِلًا حَلَّ إِشْكَالِ بَعْضِ التَّعَقُّبَاتِ: وَكَانَ ابْتِدَاءُ الْمُؤَاخَاةِ أَوَائِلَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَمَرَّ يُجَدِّدُهَا بِحَسَبِ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يَحْضُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالْإِخَاءُ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْبَابِ، وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، وَآخَى بَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الصَّحِيحِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ مَذْكُورٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَسَمَّى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جَمَاعَةً آخَرِينَ.

"

<<  <  ج: ص:  >  >>