الْفَصْلُ الثَّالِثُ
(فِي تَعْلِيلِ أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ تَعَالَى بِمَصَالِحِ الْخَلْقِ)
وَرَدَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ تَعْلِيلُ وَعْدِهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ: وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ (٧، ٨) . وَتَعْلِيلُهُ وَعْدَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِإِمْدَادِهِ إِيَّاهُمْ بِالْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ: وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ (١٠) .
وَتَعْلِيلُهُ تَغْشِيَتَهُمُ النُّعَاسَ، وَإِنْزَالَ الْمَطَرِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ (١١) إِلَخْ.
وَتَعْلِيلُهُ تَمْكِينَهُمْ مِنْ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ وَإِيصَالَهُ تَعَالَى مَا رَمَى بِهِ الرَّسُولُ الْكَافِرِينَ إِلَى أَعْيُنِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِلَى قَوْلِهِ: مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (١٧ و١٨) .
وَتَعْلِيلُهُ مَا كَتَبَهُ مِنَ النَّصْرِ لِأَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ وَالْخِذْلَانِ لِأَعْدَائِهِمُ الْكَافِرِينَ بِقَوْلِهِ: لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (٣٧) الْآيَةَ.
وَتَعْلِيلُهُ لِمَا قَدَّرَهُ وَأَنْفَذَهُ مِنْ لِقَائِهِمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ بِقَوْلِهِ: وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (٤٢) ثُمَّ تَعْلِيلُهُ لِإِرَاءَتِهِ تَعَالَى رَسُولَهُ الْمُشْرِكِينَ فِي مَنَامِهِ قَلِيلًا بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ (٤٣) .
ثُمَّ تَعْلِيلُهُ لِإِرَاءَتِهِ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْتِقَائِهِمْ بِالْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَلِيلٌ، وَتَقْلِيلُهُ إِيَّاهُمْ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ: لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا (٤٤) .
ثُمَّ تَعْلِيلُهُ لِمُؤَاخَذَةِ قُرَيْشٍ عَلَى كُفْرِهَا لِنِعَمِهِ بِبَيَانِ سُنَّتِهِ الْعَامَّةِ فِي أَمْثَالِهِمْ وَهِيَ قَوْلُهُ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (٥٣) وَكَذَا تَعْلِيلُهُ لِمَا أَوْجَبَهُ مِنْ وِلَايَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي النُّصْرَةِ فِي مُقَابَلَةِ وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِقَوْلِهِ: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (٧٣) .
الْبَابُ الثَّانِي
(فِي الْحُقُوقِ وَالْأَحْكَامِ وَالْكَرَامَةِ الْخَاصَّةِ بِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَفِيهِ فَصْلَانِ)
تَنْبِيهٌ: لَمَّا كَانَ مَوْضُوعُ سُورَتَيِ الْأَنْعَامِ، وَالْأَعْرَافِ الْمَكِّيَّتَيْنِ - كَأَمْثَالِهِمَا مِنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ الطَّوِيلَةِ - تَبْلِيغَ الدَّعْوَةِ الْعَامَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ، كَثُرَتْ فِيهِمَا الْآيَاتُ فِي الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ وَوَظَائِفِ الرُّسُلِ وَإِثْبَاتِ الْوَحْيِ وَدَفْعِ شُبَهَاتِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ وَعَلَى الرُّسُلِ، وَفِي رِسَالَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ خَاصَّةً وَعُمُومِ بَعْثَتِهِ وَمَا هُوَ دِينٌ وَتَشْرِيعٌ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ. [رَاجِعْ ص٢٥٥ - ٢٦٩ ج ٩ ط الْهَيْئَةِ] .