(١٧) قَوْلُهُ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) : وَهَذِهِ دَعْوَةٌ لَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، لِيَكُونَ وُقُوعُ مَا أُنْذِرُوا عَنْ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَقَدْ وَقَعَ مَا أَنْذَرَهُمْ فَكَانَ تَصْدِيقًا لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَاطِّرَادًا لِسُنَّتِهِ تَعَالَى فِي مُعَانِدِي الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
(١٨) قَوْلُهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ مُحَذِّرًا مِنْ صِفَاتِ الْكَافِرِينَ: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ (٤٧) وَهُوَ بَيَانٌ لِصِفَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَحَالِهِمْ وَمَقْصِدِهِمْ مِنْ خُرُوجِهِمْ إِلَى قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الْبَطَرُ وَإِظْهَارُ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَمُرَاءَاةُ النَّاسِ، وَهِيَ مَقَاصِدٌ سَافِلَةٌ إِفْسَادِيَّةٌ حَذَّرَ اللهُ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا، فَهُمْ إِنَّمَا يُقَاتِلُونَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ وَهِيَ: التَّوْحِيدُ، وَالْحَقُّ، وَالْعَدْلُ، وَتَقْرِيرُ الْفَضِيلَةِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، كَمَا بَيَّنَاهُ فِي مَحِلِّهِ بِشَوَاهِدِ الْقُرْآنِ.
(١٩) قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ (٤٨) الْآيَةَ. وَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا مَغْرُورِينَ بِاسْتِعْدَادِهِمُ الظَّاهِرِ، وَكَثْرَتِهِمُ الْعَدَدِيَّةِ، وَأَنَّهُ غُرُورٌ لَا يَسْتَنِدُ إِلَّا إِلَى وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، الَّتِي يُرَوِّجُهَا عِنْدَهُمُ الْجَهْلُ بِقُوَّةِ الْحَقِّ الْمَعْنَوِيَّةِ لَدَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَلْبَثْ أَنْ زَالَتْ عِنْدَمَا الْتَقَى الْجَيْشَانِ، بَلْ عِنْدَمَا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ (٤٨) إِلَخْ.
(٢٠) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ وَضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ (٤٩) وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِمُشَارَكَتِهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ الْمُجَاهِرِينَ بِالْكُفْرِ فِي الْجَهْلِ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَبِمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةِ، فَلَمْ يَجِدُوا تَعْلِيلًا لِإِقْدَامِ الْمُؤْمِنِينَ الْقَلِيلِينَ الْعَادِمَيْنِ لِلْقُوَى الْمَادِّيَّةِ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ الْمُعْتَزِّينَ بِكَثْرَتِهِمْ وَقُوَاهُمْ إِلَّا الْغُرُورَ بِدِينِهِمْ، وَمَا كَانُوا مَغْرُورِينَ بِأَنْفُسِهِمْ، بَلْ وَاثِقِينَ بِوَعْدِ رَبِّهِمْ، مُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ عَلَى أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ، بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) .
(٢١) قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٥٠) الْآيَاتِ. وَهَذَا بَيَانٌ لِأَوَّلِ مَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي أَوَّلِ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ عَالَمِ الْغَيْبِ، بَعْدَ بَيَانِ مَا يَكُونُ مِنْ عَذَابِهِمْ وَخِذْلَانِهِمْ فِي الْأَرْضِ. وَضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ بِآلِ فِرْعَوْنَ، وَمَا كَانَ مِنْ عَذَابِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ صَدَقَ خَبَرُ اللهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَى رَسُولِهِ فِي سُوءِ عَاقِبَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا، وَسَيَصْدُقُ خَبَرُهُ عَنْهُمْ فِي الْأُخْرَى فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (٥٣ ـ ٢٥) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute