بِهَا مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ فِي عُرْفِ الْعَصْرِ بِالْقُوَّةِ الرُّوحِيَّةِ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْهُ بِضْعَةُ أَسْبَابٍ أُخْرَى إِيجَابِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ، نَذْكُرُهَا مَنْظُومَةً فِي سِلْكِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَالنَّصُّ فِي هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْوَجْهَ الْمَعْقُولَ فِي كَوْنِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ الْفَلَاحِ وَالْقُوَّةِ وَالنَّصْرِ، وَأَوْرَدْنَا بَعْضَ الشَّوَاهِدِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مِنْ وَقَائِعِ الْحَرْبِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَأَقْوَالَ عُلَمَاءِ هَذَا الْفَنِّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) طَاعَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ الْمَعْنَوِيَّةِ بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى عَطْفًا عَلَى السَّبَبَيْنِ السَّابِقَيْنِ: وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ (٤٦) إِلَخْ. وَيَدْخُلُ فِي حُكْمِ طَاعَةِ الرَّسُولِ طَاعَةُ الْإِمَامِ الَّذِي يُحَارِبُ الْمُسْلِمُ تَحْتَ لِوَائِهِ، وَطَاعَةُ قُوَّادِهِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا بِلَفْظِ (الْأَمِيرِ) وَفِيهَا زِيَادَةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ.
الْجُنَّةُ بِضَمِّ الْجِيمِ: التُّرْسُ وَالْوِقَايَةُ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الشَّائِعِ مِنَ النِّظَامِ الْعَسْكَرِيِّ فِي عَصْرِنَا أَنَّ الطَّاعَةَ الْمُطْلَقَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ، فَيُعَاقِبُونَ مَنْ يُخَالِفُ أَوَامِرَ الْقُوَّادِ مِنَ الْجُنْدِ أَفْرَادِهِ وَضُبَّاطِهِ أَشَدَّ الْعِقَابِ مَنْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ، وَقَتْلٍ فَظِيعٍ، وَلَوْلَا هَذَا لَمَا ثَبَتَ فِي الْعَالَمِ الْمَدَنِيِّ سُلْطَانٌ وَلَا حُكْمٌ، لِكَثْرَةِ تَنَازُعِ الْأَحْزَابِ السِّيَاسِيَّةِ وَاخْتِلَافِ زُعَمَائِهَا حَتَّى فِي وَقْتِ السِّلْمِ، وَكَثْرَةِ دَسَائِسِ الْأَعْدَاءِ وَبَذْلِهِمُ الرِّشْوَةَ، وَلَا سِيَّمَا زَمَنَ الْحَرْبِ. [رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ] .
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وُجُوبُ الصَّبْرِ، وَكَوْنُهُ أَعْظَمَ أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَلِذَلِكَ عَظَّمَ اللهُ تَعَالَى شَأْنَهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَبِذِكْرِهِ: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَأَيُّ بَيَانٍ لِفَائِدَةِ الصَّبْرِ أَبْلَغُ مِنْ إِثْبَاتِ مَعِيَّةِ اللهِ تَعَالَى لِأَهْلِهِ؟ ! [رَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ] .
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَكَوْنُهُ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي هَذِهِ
السُّورَةِ فِي مَقَامِ تَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى إِيثَارِ السِّلْمِ عَلَى الْحَرْبِ، وَثُبُوتِ الصُّلْحِ مِنَ الْأَعْدَاءِ مَعَ احْتِمَالِ إِرَادَتِهِمْ بِهِ الْخِدَاعَ (آيَةُ ٦١ و٦٢) فَانْظُرْ تَفْسِيرَهَا فِي الْجُزْءِ الْعَاشِرِ، وَقَالَ قَبْلَهَا فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَمَرْضَى الْقُلُوبِ: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ (٤٩) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي الْجُزْءِ الْعَاشِرِ. وَقَدْ وَصَفَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَكُّلِ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute