للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ أَيْ: وَاعْلَمُوا كَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الْمُخْزِي لِجَمِيعِ الْكَافِرِينَ مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْرِكُمْ فِي مُعَادَاتِهِمْ وَقِتَالِهِمْ لِرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، يُخْزِيهِمْ فِي الدُّنْيَا بِذُلِّ الْخَيْبَةِ وَالْفَضِيحَةِ، ثُمَّ يُخْزِيهِمْ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا، فَتِلْكَ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِيهِمْ كَمَا قَالَ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَمَنِ اقْتَدَى بِهِمْ: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ فَأَذَاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٣٩: ٢٥ و٢٦) وَقَالَ فِي عَادٍ قَوْمِ هُودٍ: فَأَرْسَلْنَا

عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِزْيِ هُنَا مَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لِلتَّصْرِيحِ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ فِي آخِرِ قَوْلِهِ:

وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا، مُصَرِّحَةٌ بِالتَّبْلِيغِ الصَّرِيحِ الْجَهْرِيِّ الْعَامِّ لِلْبَرَاءَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ مِنْ عُهُودِهِمْ، وَسَائِرِ خُرَافَاتِ شِرْكِهِمْ وَضَلَالَاتِهِ، وَمُبَيِّنَةٌ لِوَقْتِهِ الَّذِي لَا يَسْهُلُ تَعْمِيمُهُ إِلَّا فِيهِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَفِي تَعْيِينِهِ خِلَافٌ سَيُذْكَرُ مَعَ تَرْجِيحِ أَنَّهُ عِيدُ النَّحْرِ الَّذِي تَنْتَهِي فِيهِ فَرَائِضُ الْحَجِّ وَأَرْكَانُهُ، وَيَجْتَمِعُ الْحَاجُّ فِيهِ لِإِتْمَامِ وَاجِبَاتٍ الْمَنَاسِكِ وَسُنَنِهَا فِي مِنًى. وَالْأَذَانُ: النِّدَاءُ الَّذِي يَطْرُقُ الْآذَانَ بِالْإِعْلَامِ بِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَهُوَ اسْمٌ مِنَ التَّأْذِينِ، قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (١٢: ٧٠) وَمِنْهُ الْأَذَانُ لِلصَّلَاةِ. وَأَذَّنَ بِهَا أَعْلَمَ، وَآذَنَهُ بِالشَّيْءِ إِيذَانًا أَعْلَمَهُ بِهِ. وَأَذَّنَ بِالشَّيْءِ (كَعَلَّمَ) عَلَّمَهُ، وَأَذِنَ لَهُ (كَتَعِبَ) اسْتَمَعَ. وَأَعَادَ التَّصْرِيحَ فِي هَذَا الْأَذَانِ بِكَوْنِهِ مِنَ اللهِ بِاسْمِ الذَّاتِ، وَمِنْ رَسُولِهِ بِصِفَةِ التَّبْلِيغِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الرِّسَالَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْبَرَاءَةِ، وَصَرَّحَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِذِكْرِ الْمُشْرِكِينَ بِعُنْوَانِ الشِّرْكِ وَوَصْفِهِ، وَذَلِكَ لِتَأْكِيدِ هَذَا الْحُكْمِ، وَتَأْكِيدِ تَبْلِيغِهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ. ثُمَّ أَكَّدَ مَا يَجِبُ أَنْ يُبَلِّغُوهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا أَوْجَبَ أَنْ يُخَاطِبُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ تُبْتُمْ أَيْ: قُولُوا لَهُمْ: فَإِنْ تُبْتُمْ بِالرُّجُوعِ عَنْ شِرْكِكُمْ، وَمَا زَيَّنَهُ لَكُمْ مِنَ الْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ بِنَقْضِ الْعُهُودِ، وَقَبِلْتُمْ هِدَايَةَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ هِدَايَةَ الْإِسْلَامِ هِيَ السَّبَبُ لِسَعَادَتِهِمَا وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَيْ: أَعْرَضْتُمْ عَنْ إِجَابَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْبَةِ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ أَيْ: غَيْرُ فَائِتِيهِ بِأَنْ تُفْلِتُوا مِنْ حُكْمِ سُنَنِهِ وَوَعْدِهِ لِرُسُلِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَهَذَا خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ

لِأَنَّهُ نَبَأٌ عَنِ الْغَيْبِ، الَّذِي لَا يُمْكِنُ عِلْمُهُ إِلَّا بِوَحْيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ الْبِشَارَةَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَشَرَةِ مِنَ الْأَنْبَاءِ، إِمَّا بِالتَّهَلُّلِ، وَإِشْرَاقِ الْوَجْهِ وَهُوَ السُّرُورُ الَّذِي تَنْبَسِطُ فِيهِ أَسَارِيرُ الْجَبْهَةِ وَتَتَمَدَّدُ، وَإِمَّا بِالْعُبُوسِ وَالْبُسُورِ، وَتَقْطِيبِ الْوَجْهِ مِنَ الْكَدَرِ أَوِ الْحُزْنِ أَوِ الْخَوْفِ. وَغَلَبَ فِي الْأَوَّلِ حَتَّى ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ، وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِيمَا يَسُوءُ وَيُكَدِّرُ إِنَّمَا يُقَالُ مِنْ بَابِ التَّهَكُّمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>