وَقَوْلُهُ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ إِلَخْ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فِيهِ
إِشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يُؤَذِّنَ بِـ (بَرَاءَةٌ) ، فَكَيْفَ يُؤَذِّنُ بِأَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ أَذَّنَ بِـ (بَرَاءَةٌ) . وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا (٢٨) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ بِـ (بَرَاءَةٌ) ، وَبِمَا أُمِرَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُؤَذَّنَ بِهِ أَيْضًا. (قُلْتُ) وَفِي قَوْلِهِ: يُؤَذِّنَ بِـ (بَرَاءَةٌ) تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبِضْعٍ وَثَلَاثِينَ آيَةً مُنْتَهَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ، وَبَعَثَ عَلِيًّا بِثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةٌ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الصَّهْبَاءِ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ يُقِيمُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَبَعَثَنِي بَعْدَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةٌ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَخَطَبَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ قُمْ فَأَدِّ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقُمْتُ فَقَرَأْتُ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ (بَرَاءَةٌ) ، ثُمَّ صَدَرْنَا حَتَّى رَمَيْتُ الْجَمْرَةَ فَطَفِقْتُ أَتَتَبَّعُ بِهَا الْفَسَاطِيطَ أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُونُوا حَضَرُوا خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ.
ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ كِلَاهُمَا عَنْهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ رَجَعَ مِنْ عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرَجِ ثَوَّبَ بِالصُّبْحِ فَسَمِعْنَا رَغْوَةَ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِذَا عَلِيٌّ عَلَيْهَا،
فَقَالَ لَهُ: أَمِيرٌ أَوْ رَسُولٌ؟ فَقَالَ: بَلْ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِـ (بَرَاءَةٌ) أَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ فَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ بِمَنَاسِكِهِمْ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَامَ عَلِيٌّ فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ (بَرَاءَةٌ) حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَوْمَ النَّفْرِ كَذَلِكَ، فَيُجْمَعُ بِأَنَّ عَلِيًّا قَرَأَهَا كُلَّهَا فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ فَكَانَ يُؤَذِّنُ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ: أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ إِلَخْ. وَكَانَ يَسْتَعِينُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فِي الْأَذَانِ بِذَلِكَ.
" وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثٍ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute