للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبِي بَكْرٍ وَافَقَ ذَلِكَ الْعَامَ أَشْهُرَ الْحَجِّ فَسَمَّاهُ اللهُ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فِي تَلْخِيصِ الرِّوَايَاتِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهَا بِحُرُوفِهِ.

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ كَثِيرٍ رِوَايَاتٍ أُخْرَى فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْهَا عِدَّةُ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةٍ نَقَلَهَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا أَصْلَ لِشَيْءٍ مِنْهَا فِي الصَّحِيحِ إِلَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِيمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ آنِفًا، وَقَالَ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَأَصْلُهُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحِ. وَذَكَرَ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا أُخْرَى شَاذَّةً مِنْهَا: قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ: كَانَ يَوْمًا وَافَقَ فِيهِ حَجُّ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَحَجُّ أَهْلِ الْوَبَرِ اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَالْعَوَامُّ يُسَمُّونَ كُلَّ عَامٍ يَكُونُ فِيهِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي أَشَارُوا إِلَيْهِ فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحِجَّةِ الَّتِي حَجَّ فَقَالَ: " أَيُّ يَوْمٍ هَذَا "؟ قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: " هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مَوْصُولًا عَنْهُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْفَصْلُ.

شُبْهَةٌ لِلشِّيعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ

إِنَّ بَعْضَ الشِّيعَةِ يُكَبِّرُونَ هَذِهِ الْمَزِيَّةَ لَعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَعَادَتِهِمْ، وَيُضِيفُونَ إِلَيْهَا مَا لَا تَصِحُّ بِهِ رِوَايَةٌ، وَلَا تُؤَيِّدُهُ دِرَايَةٌ، فَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ وَكَوْنِهِ أَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَزَلَ أَبَا بَكْرٍ مِنْ تَبْلِيغِ سُورَةِ (بَرَاءَةٌ) ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُبَلِّغُ عَنْهُ إِلَّا رَجُلٌ مِنْهُ، وَلَا يَخُصُّونَ هَذَا النَّفْيَ بِتَبْلِيغِ نَبْذِ الْعُهُودِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ يَجْعَلُونَهُ عَامًّا لِأَمْرِ الدِّينِ كُلِّهِ، مَعَ اسْتِفَاضَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ بِوُجُوبِ تَبْلِيغِ الدِّينِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً كَالْجِهَادِ فِي حِمَايَتِهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ، وَكَوْنِهِ فَرِيضَةً لَا فَضِيلَةً فَقَطْ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى مَسْمَعِ الْأُلُوفِ مِنَ النَّاسِ: " أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " وَهُوَ مُكَرَّرٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ " فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " إِلَخْ. وَحَدِيثُ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ ذَلِكَ الِانْتِشَارَ السَّرِيعَ فِي الْعَالَمِ، بَلْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ كَمَا قِيلَ: إِنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَزَلَ أَبَا بَكْرٍ مِنْ إِمَارَةِ الْحَجِّ وَوَلَّاهَا عَلِيًّا، وَهَذَا بُهْتَانٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فِي مَسْأَلَةٍ عَمَلِيَّةٍ عَرَفَهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ. وَالْحَقُّ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ كَانَ مُكَلَّفًا بِتَبْلِيغِ أَمْرٍ خَاصٍّ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ تَابِعًا لِأَبِي بَكْرٍ فِي إِمَارَتِهِ الْعَامَّةِ فِي إِقَامَةِ رُكْنِ الْإِسْلَامِ الِاجْتِمَاعِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>