فَإِذَا كَانَ هَذَا الشِّيعِيُّ يَعْتَمِدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنِ اخْتِيَارِهِ لَهَا عَلَى غَيْرِهَا فَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَمِنْهُ كَوْنُ الْآيَةِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ سُورَةِ (بَرَاءَةٌ) هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا (٤٠) .
وَلَا يَظْهَرُ لِأَمْرِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِتَبْلِيغِهَا لِلنَّاسِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ مَنْ نَبْذِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ، وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ مَوْضُوعِهَا إِلَّا بَيَانَ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَمَكَانِهِ الْخَاصِّ مِنَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَحِكْمَةِ جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي إِقَامَةِ رُكْنِ الْإِسْلَامِ الِاجْتِمَاعِيِّ الْعَامِّ، وَجَعْلِ عَلِيٍّ نَفْسَهُ عَلَى قُرْبِهِ، وَعُلُوِّ مَكَانَتِهِ تَحْتَ إِمَارَتِهِ، حَتَّى فِي تَبْلِيغِهِ هَذِهِ الرِّسَالَةَ الْخَاصَّةَ عَنْهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا أَسْقَطَ الرَّافِضِيُّ بَقِيَّةَ الرِّوَايَةِ عَلَى كَوْنِهِ يُنْكِرُ عَلَى الصَّدِيقِ الْأَكْبَرِ مَزِيَّةَ اخْتِيَارِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِيَّاهُ بِأَمْرِ اللهِ عَلَى مُرَافَقَتِهِ لَهُ وَحْدَهُ فِي أَهَمِّ حَادِثَةٍ مِنْ تَارِيخِ حَيَاتِهِ،
وَهِيَ الْهِجْرَةُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي كَانَتْ مُنْذُ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَانْتِشَارِ نُورِهِ فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ. وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصُّحْبَةُ أَمْرًا عَادِيًّا أَوْ صَغِيرَةً لَمَا ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ مَقْرُونَةً بِتَسْمِيَةِ الصِّدِّيقِ صَاحِبًا لِسَيِّدِ الْبَشَرِ، وَإِثْبَاتِ مَعِيَّةِ اللهِ تَعَالَى لَهُمَا مَعًا، وَفَرَّقَ بَيْنَ وَصْفِ اللهِ تَعَالَى لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِهَذِهِ وَبَيْنَ تَعْبِيرِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنْ أَتْبَاعِهِ بِالْأَصْحَابِ تَوَاضُعًا مِنْهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.
ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِلصِّدِّيقِ: " وَصَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ " يَدُلُّ عَلَى مَا سَيَكُونُ لَهُ مَعَهُ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ وَالِامْتِيَازِ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ كَانَ شَأْنُهُ فِيهِ كَشَأْنِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَرِدُ الْحَوْضَ لَمَا كَانَ لِهَذَا التَّخْصِيصِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَزِيَّةٌ، وَكَلَامُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُنَزَّهُ عَنِ الْعَبَثِ.
(خَامِسًا) أَنَّ قَوْلَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " أَوْ رَجُلٌ مِنِّي " فِي رِوَايَةٍ قَدْ فَسَّرَتْهَا الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي " وَهَذَا النَّصُّ الصَّرِيحُ يُبْطِلُ تَأْوِيلَ كَلِمَةِ " مِنِّي " بِأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ نَفْسَ عَلِيٍّ كَنَفْسِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَنَّهُ مِثْلُهُ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ أَصْحَابِهِ.
(سَادِسًا) أَنَّ مَا عَزَاهُ إِلَى بَعْضِ النَّوَاصِبِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ لَا مَزِيَّةَ لَهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَلَا أَنَّ سَبَبَ نَوْطِهِ بِهِ الْقَرَابَةُ دُونَ الْفَضِيلَةِ، وَأَنَّهُ تَبْلِيغٌ لَا فَخْرَ فِيهِ، وَلَا فَضْلَ، بَلْ هَذَا كُلُّهُ مِمَّا اعْتَادَ الرَّوَافِضُ افْتِرَاءَهُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ عِنْدَ نَبْزِهِمْ بِلَقَبِ النَّوَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي النَّوَاصِبِ مَنْ يُنْكِرُ مَزِيَّةَ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَفِي الرَّوَافِضِ مَنْ يُنْكِرُ مَا هُوَ أَظْهَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute