نُقَّادِ الْحَدِيثِ تَصْحِيحَ الشَّيْخَيْنِ لَهُ مِنِ امْتِنَاعِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ إِيرَادِهِ فِي مَسْنَدِهِ عَلَى سَعَتِهِ، وَإِحَاطَتِهِ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقَدْ صَرَّحَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِاسْتِبْعَادِ صِحَّتِهِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ مِنَ الْفَتْحِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي خَرَّجَهُ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِتَوَاتُرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَهُوَ أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ، ثُمَّ إِنَّهُ يُعَارِضُهُ نُصُوصٌ أُخْرَى مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهِيَ الَّتِي أَخَذَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِدَلَالَتِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَلَا نُكَفِّرُ مُسْلِمًا إِلَّا بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ لَا خِلَافَ فِي رِوَايَتِهِ وَلَا فِي دَلَالَتِهِ.
هَذَا - وَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِكُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَحْتَجُّونَ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى
هِيَ أَظْهَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَنْ تَكَلُّفِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا الْحَدِيثِ، وَمَعَ هَذَا رَأَيْنَا جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يُخَالِفُونَهُمْ فِيهَا. أَصْرَحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ " الشِّرْكِ " وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ يَعْنِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْكُفَّارِ. وَأَصْرَحُ مِنْهُمَا حَدِيثُ أَنَسٍ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى كُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، وَلَكِنَّ الْعِتْرَةَ وَجَمَاهِيرَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَلْ يَفْسُقُ فَيُسْتَتَابُ، فَإِذَا لَمْ يَتُبْ قُتِلَ حَدًّا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ، وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ: لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ، وَحَمَلُوا أَحَادِيثَ التَّكْفِيرِ عَلَى الْجَاحِدِ أَوِ الْمُسْتَحِلِّ لِلتَّرْكِ وَعَارَضُوهَا بِبَعْضِ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ، وَحَدِيثِ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِمَا يُفَسِّرُ أَوْ يُخَصِّصُ مَعْنَى الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ بِالْخَارِجِ الْمُقَاتِلِ، وَهُوَ: " وَرَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ الْإِسْلَامِ فَيُحَارِبُ اللهَ وَرَسُولَهُ فَيُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ " وَقَدْ يُقَالُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute