الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَقَلِيلًا مِنَ الْفَرَائِضِ، وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا فِيهِ مِنْ حِسَابٍ وَجَزَاءٍ إِيمَانًا تَقْلِيدِيًّا نَاقِصًا مَشُوبًا بِشَيْءٍ مِنَ الْجَهْلِ وَالْخُرَافَاتِ، فَهُوَ فِي تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ، وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ آثِمٌ، وَلَكِنَّهُ يَتَّكِلُ عَلَى مَغْفِرَةِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ أَوْ عَلَى مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ أَوْ عَلَى شَفَاعَاتِ الشَّافِعِينَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ وَالْمَوْضُوعُ، وَهِيَ تُذْكَرُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ، وَخُطَبِ الْجُمُعَةِ الْمَطْبُوعَةِ، الَّتِي يَخْتَارُهَا عَلَى غَيْرِهَا خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ الْجَاهِلُونَ، وَالْوُعَّاظُ الْخُرَافِيُّونَ، يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى الْعَوَامِّ، لِيُهَوِّنُوا عَلَيْهِمُ ارْتِكَابَ الْآثَامِ، وَنَاهِيكَ بِحَدِيثِ عَتْقَى الْمَلَايِينِ فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ افْتِرَاءٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَاذَا تَقُولُ فِي حَدِيثِ السِّجِلَّاتِ الَّذِي عُنِيَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ بِإِثْبَاتِهِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْمُجَرِّئَاتِ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَارْتِكَابِ الْمُوبِقَاتِ.
فَهَؤُلَاءِ الْعَوَامُّ الَّذِينَ يَغْتَرُّونَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ إِسْلَامِهِمُ التَّقْلِيدِيِّ مَعْذُورُونَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ مِنْهَا، وَمَا لَا يَصِحُّ، وَعَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ مِنْهَا وَمَا يُعَارِضُهَا مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِي التَّرْهِيبِ وَالنُّذُرِ، هُمْ مَعْذُورُونَ بِالْجَهْلِ حَتَّى بِمَا كَانَ يُعَدُّ فِي الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَمْ يَعُدْ كَذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ تَعْلِيمُهُمْ مَا يَذْهَبُ بِغُرُورِهِمْ كَتَقْيِيدِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَغْفِرَةِ، بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٢٠: ٨٢) وَقَوْلِهِ حِكَايَةً لِدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ إِلَى قَوْلِهِ: وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ
رَحِمْتَهُ (٤: ٧ - ٩) وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي التَّوْبَةِ الْمَقْبُولَةِ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٤: ١٧ و١٨) وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ قَبْلُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ أَوْسَعِهَا وَأَهَمِّهَا تَفْسِيرُ آيَتَيِ التَّوْبَةِ هَاتَيْنِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ [فِي ص٣٦٠ - ٣٧٠ ج ٤ ط الْهَيْئَةِ] ، وَمِنْهَا تَفْسِيرُ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا (٤: ١٤) [ص٣٥٣ وَمَا بَعْدَهَا ج ٤ ط الْهَيْئَةِ] ، أَيْضًا كُنَّا بَيَّنَّا جَهْلَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الشَّفَاعَةِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِيهَا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَمِنْهُ أَنَّ مَنْ تَنَالُهُ الشَّفَاعَةُ فِي الْآخِرَةِ مَجْهُولٌ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (٢١: ٢٨) .
وَالْعُلَمَاءُ يَخُصُّونَ مَا وَرَدَ فِي مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ وَمَغْفِرَتِهَا بِالصَّغَائِرِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (٤: ٣١) وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (٥٣: ٣٢) أَيْ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute