للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَانْتَظَرَهُ، قَالَ فِي الْأَسَاسِ: وَرَقَبَهُ وَرَاقَبَهُ: حَاذَرَهُ؛ لِأَنَّ الْخَائِفَ يَرْقُبُ الْعِقَابَ وَيَتَوَقَّعُهُ وَمِنْهُ، فُلَانٌ لَا يُرَاقِبُ اللهَ فِي أُمُورِهِ: لَا يَنْظُرُ إِلَى عِقَابِهِ فَيَرْكَبُ رَأْسَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَبَاتَ يَرْقُبُ النُّجُومَ وَيُرَاقِبُهَا كَقَوْلِكَ: يَرْعَاهَا وَيُرَاعِيهَا اهـ. وَالْإِلُّ: الْقَرَابَةُ. وَالذِّمَّةُ وَالذِّمَامُ الْعَهْدُ الَّذِي يُلْزِمُ مَنْ ضَيَّعَهُ الذَّمَّ كَمَا فِي الْأَسَاسِ، وَكَانَ خَفْرُ الذِّمَامِ وَنَقْضُ الْعَهْدِ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَارِ، هَذَا أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ الْمَأْثُورَةِ فِي تَفْسِيرِهَا هُنَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الْإِلَّ اسْمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَرْقُبُونَ اللهَ فِي نَقْضِ عَهْدِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ إِلٍّ وَإِيلٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَشَقِيقَتَيْهَا السُّرْيَانِيَّةِ وَالْعِبْرَانِيَّةِ،

وَهُوَ اسْمُ إِلَهٍ مِنْ آلِهَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ كَمَا بَيَّنَاهُ بِالتَّفْصِيلِ فِي فَصْلِ الْمَسَائِلِ الْمُتَمِّمَةِ لِلْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي مُحَاجَّةِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ فِي أَرْبَابِهِمْ وَشِرْكِهِمْ [ص٤٧ وَمَا بَعْدَهَا ج ٧ ط الْهَيْئَةِ] وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ تَفْسِيرُ الْإِلِّ بِالْحِلْفِ وَالْعَقْدِ وَالْعَهْدِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى.

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي ثُمَّ قَالَ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَمَرَ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِقَتْلِهِمْ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَحَصْرِهِمْ وَالْقُعُودِ لَهُمْ عَلَى كُلَّ مَرْصَدٍ - أَنَّهُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَرْقُبُوا فِيهِمْ إِلًّا، وَالْإِلُّ اسْمٌ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ: الْعَهْدُ وَالْعَقْدُ، وَالْحِلْفُ، وَالْقَرَابَةُ وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى اللهِ فَإِذَا كَانَتِ الْكَلِمَةُ تَشْمَلُ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةَ، وَلَمْ يَكُنِ اللهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَالصَّوَابُ أَنْ يَعُمَّ ذَلِكَ كَمَا عَمَّ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَعَانِيهَا الثَّلَاثَةَ فَقَالَ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ اللهَ، وَلَا قَرَابَةً وَلَا عَهْدًا وَلَا مِيثَاقًا. وَمِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:

أَفْسَدَ النَّاسَ خُلُوفٌ خُلِّفُوا ... قَطَّعُوا الْإِلَّ وَأَعْرَاقَ الرَّحِمْ

بِمَعْنَى قَطَعُوا الْقَرَابَةَ، وَقَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:

لَعَمْرُكَ إِنَّ إِلَّكَ مِنْ قُرَيْشٍ كَإِلِّ السَّيْفِ مِنْ رَأْلِ النَّعَامِ

وَأَمَّا مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَهْدِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ:

وَجَدْنَاهُمْ كَاذِبًا إِلُّهُمْ ... وَذُو الْإِلِّ وَالْعَهْدِ لَا يَكْذِبُ

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى مَعْرِفَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْإِلَّ وَالْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَالْيَمِينَ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الذِّمَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ التَّذَمُّمِ مِمَّنْ لَا عَهْدَ لَهُ وَالْجَمْعُ: ذِمَمٌ. وَكَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ: عَنَى بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَهْلَ الْعَهْدِ الْعَامِّ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>