للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أَيْ: فَأُولَئِكَ الْجَامِعُونَ لِهَذِهِ الْخَمْسِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ الَّتِي يَلْزَمُهَا سَائِرُ أَرْكَانِهَا هُمُ الَّذِينَ يَرْجُونَ بِحَقٍّ، أَوْ يُرْجَى لَهُمْ بِحَسَبِ سُنَنِ اللهِ فِي أَعْمَالِ الْبَشَرِ وَتَأْثِيرِهَا فِي إِصْلَاحِهِمْ، أَنْ يَكُونُوا مِنْ جَمَاعَةِ الْمُهْتَدِينَ إِلَى مَا يُحِبُّ اللهُ وَيَرْضَى مِنْ عِمَارَةِ مَسَاجِدِهِ حِسًّا وَمَعْنًى، وَاسْتِحْقَاقِ الْجَزَاءِ عَلَيْهَا بِالْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا، دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْجَامِعِينَ لِأَضْدَادِهَا مِنَ الْإِيمَانِ بِالطَّاغُوتِ، وَالشِّرْكِ بِاللهِ، وَالْكُفْرِ بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ، الَّذِينَ دَنَّسُوا مَسْجِدَهُ

الْحَرَامَ بِالْأَصْنَامِ وَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، وَصَدُّوا الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْحَجِّ وَالِاعْتِمَارِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ. وَلَمْ تَكُنْ صَلَاةُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَهُ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً كَعَبَثِ الْأَطْفَالِ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْعِ النَّاسِ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَتَقَدَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ (٨: ٣٤ - ٣٦) فَشُرُورُ هَؤُلَاءِ وَضَلَالُهُمْ وَطُغْيَانُهُمُ الَّتِي هِيَ لَوَازِمُ الشِّرْكِ تُحْبِطُ كُلَّ عَمَلٍ حَسَنٍ عَمِلُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

كَلِمَةُ " عَسَى " تُفِيدُ الرَّجَاءَ دُونَ الْقَطْعِ، وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا لِلتَّقْرِيبِ وَالْإِطْمَاعِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ بِمَعْنَى " لَعَلَّ " أَيْ لِلرَّجَاءِ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لَعَلَّ كَلِمَةُ تَرْجِيَةٍ وَتَطْمِيعٍ أَيْ لِلْمُخَاطَبِ بِهَا، فَالرَّجَاءُ هُنَا مَا يَكُونُ لِلْمُتَّصِفِينَ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ مِنَ الْأَمَلِ وَالطَّمَعِ بِالْفِعْلِ أَوِ الشَّأْنِ فِي الْوُصُولِ إِلَى مَقَامِ الْمُتَّقِينَ الْكَامِلِينَ بِالثَّبَاتِ عَلَيْهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا كَوْنُ الرَّجَاءِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرْجَى وَلَا يَرْجُو، وَحَقِيقَةُ الرَّجَاءِ ظَنٌّ بِحُصُولِ أَمْرٍ وَقَعَتْ أَسْبَابُهُ وَاتُّخِذَتْ وَسَائِلُهُ مِنْ مُبْتَغِيهِ، وَلَمْ يَبْقَ لِحُصُولِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِهَا الْمُؤَدِّي إِلَى الْغَايَةِ، وَأَلَّا تُعَارِضَهَا الْمَوَانِعُ الَّتِي تَكُونُ رَاجِحَةً عَلَى الْمُقْتَضَى، كَالزَّارِعِ يَحْرُثُ الْأَرْضَ، وَيَبْذُرُ الْحَبَّ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ، وَيَتَعَاهَدُ زَرْعَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عَزْقٍ وَسَقْيٍ وَسَمَادٍ، فَيَكُونُ مِنَ الْمَظْنُونِ الرَّاجِحِ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرَةٍ طَيِّبَةٍ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ لِمَا يُخْشَى مِنْ وُقُوعِ الْجَوَائِحِ الْمُهْلِكَةِ لَهُ مَثَلًا.

وَكَذَلِكَ مَنْ يُطِيعُ اللهَ تَعَالَى بِفِعْلِ الْمُسْتَطَاعِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ، وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، فَإِنَّهُ حَقِيقٌ بِأَنْ يَرْجُوَ بِذَلِكَ تَزْكِيَةَ نَفْسِهِ، وَرَفْعَهَا إِلَى مَقَامِ الْمُتَّقِينَ أَوْلِيَاءِ اللهِ تَعَالَى وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَثُوبَتِهِ وَرِضْوَانِهِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْزِمَ بِذَلِكَ لِمَا يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنَ التَّقْصِيرِ وَشَوَائِبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، أَوْ عَدَمِ الثَّبَاتِ عَلَى الطَّاعَةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْبِطُ الْأَعْمَالَ أَوْ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِهَا، وَالْخَيْرُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ الَّذِي يَصُدُّهُ عَنِ التَّقْصِيرِ، وَالرَّجَاءِ الَّذِي يَبْعَثُهُ

عَلَى التَّشْمِيرِ، وَأَنْ يُرَجِّحَ الْخَوْفَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالرَّجَاءَ فِي حَالِ الْمَرَضِ، وَلَا سِيَّمَا مَرَضُ الْمَوْتِ، وَمَنْ أَرَادَ نَعِيمَ الْآخِرَةِ، وَلَمْ يَسْعَ لَهَا سَعْيَهَا الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ سَبَبًا لَهَا فَهُوَ مِنَ الْحَمْقَى أَصْحَابِ الْأَمَانِيِّ لَا مِنْ أَصْحَابِ الرَّجَاءِ، فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>