للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ وَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُؤْذِ بِحَدَثٍ أَيْ بِحَدَثٍ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَمِنْهُ رَائِحَةُ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَنَحْوُهُمَا كَالدُّخَانِ الْمَعْرُوفِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ

الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِهِ عَلَى مَنْعِ مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَنَحْوَهُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ، إِلَّا أَنْ يُزِيلَ الرَّائِحَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرِيَّةُ يُحَرِّمُونَ أَكْلَ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ كَالْحَنَابِلَةِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ فَرْضِيَّتَهَا لَا تَقْتَضِي تَحْرِيمَ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَكْلُهَا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا جَمَاعَةَ فِيهَا كَأَوَّلِ النَّهَارِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ، إِذْ تَزُولُ الرَّائِحَةُ فِي الْغَالِبِ قَبْلَ الظُّهْرِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَقَبْلَ الْفَجْرِ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُمْكِنُ إِزَالَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِتَنْظِيفِ الْفَمِ بِالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ، وَأَكْلِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الْمُعَطِّرَةِ كَأَقْرَاصِ النَّعْنَعِ الْمَعْرُوفَةِ فِي هَذَا الزَّمَنِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْحُبُوبِ الْعِطْرِيَّةِ الَّتِي تُمْتَصُّ لِتَطْيِيبِ الْفَمِ.

وَجَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ، وَمِنْ أَدِلَّتِهمْ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهَا خَضْرَوَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ فَقَالَ: " قَرِّبُوهَا " (وَأَشَارَ) إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ: " كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي " وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ صُنِعَ لَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّاحِبِ الَّذِي أَمَرَهُ بِأَكْلِهِ هُوَ ضَائِفُهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وَفِيهِ أَنَّ الطَّعَامَ كَانَ فِيهِ ثُومٌ (لَمْ تَذْهَبْ رَائِحَتُهُ) وَأَنَّهُ قَالَ: أَحْرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِنْ أَكْرَهُهُ " وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ " الثُّومِ " وَالنَّاسُ جِيَاعٌ فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الرِّيحَ فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا فَلَا يَقْرَبْنَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا.

وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>