للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا - وَإِنَّ لَهُمْ مِنَ الْمَعَانِي الرَّقِيقَةِ فِي صِفَاتِ الْمَثَلِ الْأَعْلَى لِلْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ فِي هَذِهِ الْخَلِيقَةِ، وَالْمَدَدِ الْأَكْمَلِ فِي الشَّرِيعَةِ الشَّامِلَةِ لِلطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ، خَاتَمِ النُّبُوَّةِ، وَالتَّشْرِيعِ السَّمَاوِيِّ، وَمُشْرِقِ الْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ لِلْعِرْفَانِ الْإِلَهِيِّ، الرَّحْمَةِ الْمُرْسَلَةِ لِلْعَالِمِينَ، مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مَا يَجْعَلُ حُبَّهُ هُوَ الْمِعْرَاجَ الْأَعْلَى إِلَى حُبِّ الْعَبْدِ لِلَّهِ، وَاتِّبَاعَهُ هُوَ الْوَسِيلَةَ الْوَحِيدَةَ إِلَى نَيْلِ مَقَامِ الْحُبِّ مِنَ اللهِ، بِنَصِّ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ (٣: ٣١) مَعَ التَّفْرِقَةِ التَّامَّةِ بَيْنَ حَقِيقَةِ الرُّبُوبِيَّةِ

وَالْأُلُوهِيَّةِ، وَحَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى مَقَامَاتِ الْعُبُودِيَّةِ، فَلَا يَسْأَلُونَ الرَّسُولَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَا لَا يَطْلُبُ إِلَّا مِنَ اللهِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا نِدَّ لِلَّهِ بَلْ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا اللهَ، كَمَا نُورِدُ فِي مَنَاقِبِ الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا الدُّعَاءَ.

وَإِذَا صَحَّ لِلْإِنْسَانِ حُبُّ اللهِ وَحُبُّ رَسُولِهِ وَكَمُلَ فِيهِمَا، صَارَتْ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْحُبِّ الْحَيَوَانِيِّ وَالنَّفْسِيِّ وَالْمُنَادَى تَابِعَةً وَمُمِدَّةً لَهُمَا، حَتَّى تَغْرَقَ أَوْ تَفْنَى فِيهِمَا، فَهُوَ يُعْطِي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنَ الْحُبِّ الشَّرْعِيِّ الْفِطْرِيِّ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ بَذْلَ مَالِهِ وَنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، تَوَسُّلًا بِهِ إِلَى لِقَاءِ اللهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَتَأَمَّلْ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيضِ الْخَنْسَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ لِأَوْلَادِهَا عَلَى الْجِهَادِ بِشِعْرِهَا حَتَّى قُتِلُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَقَالَتْ وَهِيَ الَّتِي يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِحُزْنِهَا عَلَى أَخَوَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِشَهَادَتِهِمْ. وَمَا فَقَدَ الْمُسْلِمُونَ السِّيَادَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالِاسْتِعْدَادَ لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ إِلَّا بِالْحُبِّ الْمَادِّيِّ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِشَهَوَاتِهِمْ، وَإِيثَارِهِ عَلَى حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ سَعَادَتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِ أَعْدَائِهِمْ، وَلَا نَجَاةَ لَهُمْ إِلَّا بِتَرْبِيَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى تَوْطِينِهَا عَلَى الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَمَنْ لَمْ يُتَحْ لَهُ الْمَوْتُ فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَعَلَيْهِ بِطَلَبِ الْمَوْتِ الْإِرَادِيِّ فِي جِهَادِ النَّفْسِ، فَلَا حَيَاةَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتٍ، وَالْمَوْتُ آيَةُ الْحُبِّ الصَّادِقِ.

فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا فَمُتْ بِهِ ... شَهِيدًا وَإِلَّا فَالْغَرَامُ لَهُ أَهْلُ

وَلَهُ مِنَ الْعِبْرَةِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ مَا يَجْعَلُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الْمَعْقُولَةَ مُشَاهَدَةً مَاثِلَةً، وَالدَّلَائِلَ الشَّرْعِيَّةَ وَقَائِعَ حِسِّيَّةً، فِي آثَارِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، وَإِيثَارِ الْأَنْصَارِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الرَّاسِخِينَ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَبَيْنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَالْمُنَافِقِينَ، فِيمَا كَانَ مِنْ خِذْلَانٍ وَهَزِيمَةٍ، وَمِنْ نَصْرٍ وَغَنِيمَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>