للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأُخْرَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ الْمُشَاهَدِ فِي جَمِيعِ الْمُسْتَعْمَرَاتِ الْأُورُبِّيَّةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَدْلِ وَالْحُقُوقِ وَالضَّرَائِبِ، مَعَ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَكْثَرُ، كَأَنْوَاعِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالصَّدَقَاتِ الْمَنْدُوبَةِ، حَتَّى قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ الْمُضْطَرِّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ، إِذَا لَمْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ لَهُ بِهَا مِنْ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَكْسِ مِنَ الذِّمِّيِّينَ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرُبُعِ الْعُشْرِ فِي مُقَابَلَةِ الزَّكَاةِ. وَمَعَ هَذَا

يَقُولُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ لَا يَجِبُ بَدْءُ الْحَرْبِيِّينَ بِالْقِتَالِ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ وَالدُّخُولِ فِي حُكْمِنَا، إِذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ آخَرُ، خِلَافًا لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ فِي الْإِسْلَامِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا يَرَاهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَقَدْ لَخَّصَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَقْوَالَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي حُكْمِ الْجِهَادِ - الَّتِي يَحْتَجُّ بِبَعْضِهَا هَؤُلَاءِ الْقَلِيلُو الِاطِّلَاعِ - فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: (بَابُ وُجُوبِ النَّفِيرِ وَمَا يَجِبُ مِنَ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ) فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالَيْنِ: زَمَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَا بَعْدَهُ، فَأَمَّا زَمَنُهُ فَالتَّحْقِيقُ مِنْ عِدَّةِ أَقْوَالٍ: أَنَّ وُجُوبَهُ فِيهِ كَانَ عَيْنًا عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا بَعْدَهُ " فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَأَنْ يَدْهَمَ الْعَدُوُّ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ (أَيِ الْأَعْظَمُ) وَيَتَأَدَّى فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِهِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبْ بَدَلًا عَنْهُ، وَلَا تَجِبُ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ اتِّفَاقًا فَلْيَكُنْ بَدَلُهَا كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجِبُ كُلَّمَا أَمْكَنَ وَهُوَ قَوِيٌّ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ فُتُوحُ مُعْظَمِ الْبِلَادِ وَانْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، ثُمَّ صَارَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ جِنْسَ جِهَادِ الْكُفَّارِ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِمَّا بِيَدِهِ، وَإِمَّا بِلِسَانِهِ، وَإِمَّا بِمَالِهِ، وَإِمَّا بِقَلْبِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ " اهـ.

فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ جِهَادِ الْعَدُوِّ بِالسَّيْفِ إِجْمَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي حَالِ اعْتِدَاءِ الْأَعْدَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَحِينَئِذٍ إِذَا أَعْلَنَ الْإِمَامُ النَّفِيرَ الْعَامَّ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَإِذَا اسْتَنْفَرَ بَعْضَهُمْ كَالْجُنْدِ الْمُرَابِطِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَغَيْرِهِمْ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، فَإِنَّهُ يُطَاعُ فِي الْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ كَالْوَاجِبِ الْعَيْنِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي: وَيَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: (الْأَوَّلُ) إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَتَقَابَلَ الصَّفَّانِ إِلَخْ. (الثَّانِي) إِذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدٍ تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ قِتَالُهُمْ وَدَفْعُهُمْ. (الثَّالِثُ) إِذَا اسْتَنْفَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا لَزِمَهُمُ النَّفِيرُ مَعَهُ اهـ. بِدُونِ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْأَوَّلِ فِي تَفْسِيرِ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (٨: ١٥) وَأَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ

إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ هُمُ الْمُعْتَدِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ (٨: ٦٠) أَنَّ الِاسْتِعْدَادَ لِلْحَرْبِ وَاجِبٌ عَلَى الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ الَّذِي عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>