للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَجَامِعُهُمُ الْمَسْكُونِيَّةُ الرَّسْمِيَّةُ بَعْدَ دُخُولِ التَّعَالِيمِ الْوَثَنِيَّةِ فِيهِمْ مِنْ قِبَلِ الرُّومَانِيِّينَ أَكْثَرَ مَا وُجِدَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَنَاجِيلِ الَّتِي كَانَتْ تُعَدُّ بِالْعَشَرَاتِ، وَقِيلَ بِالْمِئَاتِ، وَاعْتَمَدَتْ أَرْبَعًا مِنْهَا لَيْسَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا رَوَاهُ مِنْ أَقْوَالِ الْمَسِيحِ وَأَفْعَالِهِ، كَمَا قَالَ يُوحَنَّا فِي آخِرِ إِنْجِيلِهِ: " وَأَشْيَاءُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ إِنْ كَتَبْتُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ آمِينَ " اهـ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَمَا كَانَ يَفْعَلُ، فَلَمْ تُكْتَبْ أَقْوَالُهُ وَلَا أَفْعَالُهُ الْكَثِيرَةُ.

وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي كُتُبِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ وَمِنْهَا الْأَنَاجِيلُ الْأَرْبَعَةُ ذِكْرُ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَفِي بَعْضِهَا يُسَمَّى " إِنْجِيلَ اللهِ " وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَذَا الْإِنْجِيلِ أَحَدُ هَذِهِ التَّوَارِيخِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُحُدِّثَ عَنْهُ، وَفِي هَذِهِ الْكُتُبِ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يُوجَدُ أَنَاجِيلُ كَاذِبَةٌ وَأَنَاجِيلُ مُحَرَّفَةٌ وَرُسُلٌ كَذَبَةٌ، وَقَدْ فَصَّلْنَا الْقَوْلَ فِي مَسْأَلَةِ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ وَهَذِهِ الْأَنَاجِيلِ، وَأَثْبَتْنَا عَدَمَ الثِّقَةِ بِهَا، وَأَنَّ مَجْمُوعَهَا يُثْبِتُ مَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللهِ الْمُنَزَّلُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَهُوَ أَنَّ النَّصَارَى كَالْيَهُودِ نَسُوا حَظًّا عَظِيمًا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَأَنَّهُمْ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْهُ، وَأَنَّهُمُ انْتَحَلُوا عَقَائِدَ وَثَنِيِّ الْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْقُدَمَاءِ فِي الثَّالُوثِ [فَرَاجِعْهُ فِي ص٢٣٩ - ٢٥ ج ٦ ط الْهَيْئَةِ] .

قَالَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي قَالُوهُ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ هُوَ قَوْلُهُمُ الَّذِي تَلُوكُهُ أَلْسِنَتُهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، مَا أَنْزَلَ بِهِ اللهُ مِنْ سُلْطَانِهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ حَرَكَةَ اللِّسَانِ، إِذْ لَيْسَ لَهُ مَدْلُولٌ فِي الْوُجُودِ، وَلَا حَقِيقَةٌ فِي مَدَارِكِ الْعُقُولِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (١٨: ٤، ٥) وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ فِي التَّبَنِّي: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٣٣: ٤) وَقَوْلُهُ فِي أَهْلِ الْإِفْكِ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ (٢٤: ١٥) فَذَكَرَ الْأَفْوَاهَ - وَكَذَا الْأَلْسِنَةُ - مَعَ الْعِلْمِ بِهَا بِالْحِسِّ لِبَيَانِ مَا ذَكَرَ، أَيْ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يَعْدُوهَا وَلَا يَتَجَاوَزُهَا إِلَى شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ كَمَا يَقُولُ الْعَوَامُّ: " كَلَامٌ فَارِغٌ ".

يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أَيْ: يُشَابِهُونَ وَيُحَاكُونَ فِيهِ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلِهِمْ فَقَالُوا هَذَا الْقَوْلَ أَوْ مِثْلَهُ، قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ سَلَفُهُمُ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا

الْقَوْلَ قَبْلَهُمْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ نُزُولِ الْقُرْآنَ، إِذْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ أُولَئِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>