لَا يَصِلُ نُورُهَا إِلَى الْأَرْضِ إِلَّا بَعْدَ قَطْعِ الْمَلَايِينَ مِنَ السِّنِينَ النُّورِيَّةِ - فَهَلْ يَلِيقُ بِعَاقِلٍ مِنْ هَذِهِ الدَّوَابِّ الَّتِي تَعِيشُ عَلَى هَذِهِ الذَّرَّةِ الصَّغِيرَةِ مِنْهُ (وَهِيَ الْأَرْضُ) أَنْ يَجْعَلَ لِخَالِقِهِ كُلِّهِ وَمُدَبِّرِ أَمْرِهِ، وَلَدًا وَعَائِلَةً مِنْ جِنْسِهِ، وَأَنْ يَرْتَقِيَ بِهِ الْغُرُورُ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ هُوَ الْخَالِقَ لَهُ وَالْمُدَبِّرَ لِأَمْرِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ وُلِدَ مِنِ امْرَأَةٍ وَكَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَتْعَبُ وَيَتَأَلَّمُ إِلَخْ. .! ؟ وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣٩: ٦٧) وَوَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢١: ٢٦ - ٢٩)
وَفِي الْآيَةِ مِنَ الْقِرَاءَاتِ تَنْوِينُ (عُزَيْرٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ بِمَا تَصَرَّفَتْ بِهِ الْعَرَبُ فَجَعَلَتْهُ بِصِيغَةِ اسْمِ التَّصْغِيرِ، وَأَنَّ (ابْنُ اللهِ) خَبَرٌ عَنْهُ لَا وَصْفٌ لَهُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَاصِمٍ وَالْكِسَائِيِّ وَيَعْقُوبَ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ فَاجْتَمَعَ فِيهِ عِلَّتَا الْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ فِي الْإِعْرَابِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُ (يُضَاهِئُونَ) بِالْهَمْزِ وَالْبَاقُونَ (يُضَاهُونَ) مِنَ النَّاقِصِ وَهُمَا لُغَتَانِ.
فَصْلٌ اسْتِطْرَادِيٌّ
فِي هَيْمَنَةِ الْقُرْآنِ عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَشَهَادَتِهِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا
(إِنْ قِيلَ) : إِنَّ مَا ذَكَرْتَ يُبْطِلُ الثِّقَةَ بِالْكُتُبِ الَّتِي بِهَا سَمَّى اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَهْلَ الْكِتَابِ حَتَّى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَقَدْ شَهِدَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ لِلْيَهُودِ بِأَنَّ عِنْدَهُمُ التَّوْرَاةَ فِيهَا حُكْمُ اللهِ، وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَمَرَ أَهْلَ الْإِنْجِيلِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَفَ النَّاجِينَ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ (٧: ١٥٧) وَهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ، وَمِنْ دُعَاةِ النَّصَارَى (الْمُبَشِّرِينَ) مَنْ أَلَّفَ كِتَابًا فِي ذَلِكَ سَمَّاهُ (شَهَادَةَ الْقُرْآنِ لِكُتُبِ أَنْبِيَاءِ الرَّحْمَنِ) فَبُطْلَانُ الثِّقَةِ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الثِّقَةِ بِالْقُرْآنِ، وَيَكُونُ حُجَّةً لِمَلَاحِدَةِ التَّعْطِيلِ عَلَى بُطْلَانِ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، فَمَا جَوَابُكَ عَنْ هَذَا؟ .
(قُلْتُ) . قَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ وَفِي (الْمَنَارِ) وَنُعِيدُهُ الْآنَ بِأُسْلُوبٍ آخَرَ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ، فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَحُجَّتُهُمْ عَلَيْنَا بِمَا قَالُوا إِلْزَامِيَّةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute