وَتَذَكَّرَهُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ دُونَ مَا نَسُوهُ، وَكَانَ مِنْهُ الصَّحِيحُ قَطْعًا، وَمِنْهُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ، وَمِنْهُ الْغَلَطُ، وَمِنْ ثَمَّ وُجِدَ التَّحْرِيفُ، وَلَا مَحَلَّ هُنَا لِلْإِتْيَانِ بِالشَّوَاهِدِ عَلَى هَذَا.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا (٢: ١٣٦) الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَسَبَبُهُ أَنَّ عُمَرَ
ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ كَانَ قَدْ نَسَخَ شَيْئًا مِنَ التَّوْرَاةِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَنْكَرَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ: لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَأَنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، وَاللهِ لَوْ كَانَ مُوسَى بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِيمَا عِنْدَهُمْ مَا هُوَ حَقٌّ وَهُوَ مَا أُوتُوهُ، وَمَا هُوَ بَاطِلٌ وَهُوَ مَا حَرَّفُوهُ، وَدَعْ مَا فُقِدَ وَهُوَ مَا نَسُوهُ.
وَمِنْ ثَمَّ كَانَ التَّحْقِيقُ عِنْدَنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ نُؤْمِنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِالْإِجْمَالِ، وَبِأَنَّ مَا وَرَدَ النَّصُّ عِنْدَنَا بِهِ بِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللهِ تَعَالَى كَحُكْمِ رَجْمِ الزَّانِي الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ (٥: ٤٣) نَجْزِمُ بِأَنَّهُ مِمَّا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا دَلَّ النَّصُّ عَلَى كَذِبِهِمْ فِيهِ كَكَوْنِ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي صَنَعَ لَهُمُ الْعِجْلَ الذَّهَبِيَّ الَّذِي عَبَدُوهُ، وَكَوْنِ سُلَيْمَانَ قَدِ ارْتَدَّ وَعَبَدَ الْأَوْثَانَ، وَكَوْنِ لُوطٍ زَنَا بِابْنَتِهِ - فَإِنَّنَا نَجْزِمُ بِكَذِبِهِ، وَأَمَّا مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِنَّنَا لَا نُصَدِّقُهُمْ وَلَا نُكَذِّبُهُمْ فِيهِ. وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي هَذَا سَوَاءٌ عِنْدَنَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِهِمْ فِي نِسْيَانِ حَظٍّ عَظِيمٍ مِنْ إِنْجِيلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَيُمْكِنُنَا أَنْ نَسْتَدِلَّ بِهَذَا التَّحْقِيقِ، وَبِتَحْقِيقِ مَسْأَلَةِ كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِ اللهِ (رُوحِ الْقُدُسِ) الَّتِي ضَلَّ فِيهَا قُدَمَاءُ الْوَثَنِيِّينَ وَتَبِعَهُمُ النَّصَارَى، الَّذِي جَاءَنَا عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا مِنَ التَّوَارِيخِ الْعَامَّةِ وَلَا الْخَاصَّةِ عَلَى أَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ هُوَ التَّحْقِيقُ الْمَعْقُولُ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَى نُقُولِ التَّوَارِيخِ وَحُكْمِ الْعَقْلِ، وَلَمْ يَسْبِقْ إِلَى بَيَانِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَسَعُ عَاقِلًا مُنْصِفًا رَدُّهُ. وَلَا يُعْقَلُ أَنَّ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَرَفَهُ بِرَأْيِهِ ; لِأَنَّ الرَّأْيَ فِي مِثْلِ هَذَا يُبْنَى عَلَى مَعْلُومَاتٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَلَا لِقَوْمِهِ عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ نُوحٍ مِنْ سُورَةِ
هُودٍ الْمَكِّيَّةِ: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (١١: ٤٩) وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَعْدَائِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute