عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَرَّ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ قَدْ تَنْصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُسِرَتْ أُخْتُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ مَنَّ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى أُخْتِهِ وَأَعْطَاهَا، فَرَجَعَتْ إِلَى أَخِيهَا فَرَغَّبَتْهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَفِي الْقُدُومِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَقَدِمَ عَدِيٌّ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ رَئِيسًا فِي قَوْمِهِ طَيِّءٍ، وَأَبُوهُ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْكَرَمِ، فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِقُدُومِهِ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَفِي عُنُقِ عَدِيٍّ صَلِيبٌ مِنْ فِضَّةٍ وَهُوَ يَقْرَأُ
هَذِهِ الْآيَةَ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ، فَقَالَ: " بَلَى، إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ وَأَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَاتَّبَعُوهُمْ، فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ " وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: يَا عَدِيُّ مَا تَقُولُ؟ أَيَضُرُّكَ أَنْ يُقَالَ اللهُ أَكْبَرُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنَ اللهِ؟ مَا يَضُرُّكَ؟ أَيَضُرُّكَ أَنْ يُقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ إِلَهًا غَيْرَ اللهِ؟ " ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ، ثُمَّ قَالَ " إِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ " وَهَكَذَا قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ. اهـ وَسَنَذْكُرُ فِي إِسْلَامِهِ حَدِيثًا آخَرَ قَرِيبًا.
وَلِبَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَقْوَالٌ فِي الْآيَةِ جَدِيرَةٌ بِأَنْ تُنْقَلَ بِنَصِّهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْعِبْرَةِ لِأَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ الطُّوْفِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِهِ (الْإِشَارَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، إِلَى الْمَبَاحِثِ الْأُصُولِيَّةِ) أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الْعَقَائِدِ، وَأُصُولِ الْفِقْهِ فِي الْقُرْآنِ - مَا نَصُّهُ: " أَمَّا الْمَسِيحُ فَاتَّخَذُوهُ رَبًّا مَعْبُودًا بِالْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا الْأَحْبَارُ لِلْيَهُودِ، وَالرُّهْبَانُ لِلنَّصَارَى، فَإِنَّمَا اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا مَجَازًا ; لِأَنَّهُمْ أَمَرُوهُمْ بِتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَإِنْكَارِ رِسَالَتِهِ فَأَطَاعُوهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَطَاعُوهُمْ فِيهِ فَصَارُوا كَالْأَرْبَابِ لَهُمْ بِجَامِعِ الطَّاعَةِ، وَالنَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ قَالَ لِتَلَامِيذِهِ عِنْدَ صُعُودِهِ عَنْهُمْ: مَا حَلَلْتُمُوهُ فَهُوَ مَحْلُولٌ فِي السَّمَاءِ. وَمَا رَبَطْتُمُوهُ فَهُوَ مَرْبُوطٌ فِي السَّمَاءِ، فَمِنْ ثَمَّ إِذَا أَذْنَبَ أَحَدُهُمْ ذَنْبًا جَاءَ بِالْقُرْبَانِ إِلَى الْبُتْرُكِ وَالرَّاهِبِ، وَقَالَ: يَا أَبُونَا اغْفِرْ لَنَا - بِنَاءً عَلَى أَنَّ خِلَافَةَ الْمَسِيحِ مُسْتَمِرَّةٌ فِيهِمْ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى مَا نَقَلُوهُ عَنِ الْمَسِيحِ، وَهُوَ مِنِ ابْتِدَاعَاتِهِمْ فِي الدِّينِ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا (٩: ٣١) الْآيَةَ - بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمَسِيحِ: يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ (٥: ٧٢) اهـ أَقُولُ: أَمَّا عِبَارَتُهُ فِي الْحَلِّ وَالرَّبْطِ فَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِتَرْجَمَةِ الْيَسُوعِيِّينَ فِي التَّعْبِيرِ
بِالْفِعْلِ الْمَاضِي، وَأَمَّا التَّرْجَمَةُ الْأَمِيرِكَانِيَّةُ فَهِيَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ هَكَذَا (مَتَّى ١٨: ١٨ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الْأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الْأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ) وَأَمَّا أَمْرُ الْمَسِيحِ إِيَّاهُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ رَبِّهِ وَرَبِّهِمْ، وَكَذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَسَيَأْتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute