(وَمِنْهَا) : مَا يَتَيَسَّرُ لَهُمْ سَلْبُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ فِي جِنْسِهِمْ أَوْ دِينِهِمْ مِنْ خِيَانَةٍ وَسَرِقَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ ـ تَعَالَى ـ: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، [٣: ٧٥] يَعْنُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ أَمْوَالِ إِخْوَانِهِمُ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ بِالْبَاطِلِ دُونَ الْأُمِّيِّينَ وُهُمُ الْعَرَبُ وَكَذَا سَائِرُ الطَّوَائِفِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَفِي هَؤُلَاءِ يَقُولُ الْبُوصِيرِيُّ فِي سَرْدِ مَا خَالَفَ الْيَهُودُ فِيهِ الْحَقَّ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهُمْ: وَبِأَنَّ أَمْوَالَ الطَّوَائِفِ حُلِّلَتْ لَهُمُ رِبًا وَخِيَانَةً وَغُلُولَا. (وَمِنْهَا) الرِّشْوَةُ وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ السُّلْطَةِ الدِّينِيَّةِ أَوِ الْمَدَنِيَّةِ رَسْمِيَّةً أَوْ غَيْرَ رَسْمِيَّةٍ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَجْلِ الْحُكْمِ أَوِ الْمُسَاعَدَةِ عَلَى إِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ إِحْقَاقِ بَاطِلٍ هُوَ فِي مَعْنَى الْأَخْذِ عَلَى الْفَتْوَى، وَهُمَا مِمَّا اتَّبَعَ فِيهِ بَعْضُ فُقُهَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامُهُمْ سُنَنَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا. (وَمِنْهَا) الرِّبَا حَتَّى الْفَاحِشُ مِنْهُ، وَهُوَ فَاشٍ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَكِنَّهُ مِنْهُ مَا يُحِلُّهُ لَهُمْ رِجَالُ الدِّينِ، وَمِنْهُ مَا يُحَرِّمُونَهُ فِي الْفَتْوَى وَكُتُبِ الشَّرْعِ، وَالْيَهُودُ أَسَاتِذَةُ الْمُرَابِينَ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ، وَأَحْبَارُهُمْ يُفْتُونَهُمْ بِأَكْلِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ إِخْوَانِهِمُ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ، وَيَأْكُلُونَهُ مَعَهُمْ مُسْتَحِلِّينَ لَهُ بِنَصٍّ فِي تَوْرَاتِهِمُ الْمَحَرَّفَةِ بَدَلًا مِنْ نَهْيِهِمْ عَنْهُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي التَّوْرَاةِ النَّهْيُ عَنْ أَخْذِ الرِّبَا وَالْمُرَابَحَةِ وَإِقْرَاضِ النَّقْدِ
وَالطَّعَامِ بِالرِّبَا مُطْلَقًا، وَذِكْرُ الْأَخِ فِي نُصُوصِ النَّهْيِ سَبَبُهُ أَنَّهُ نَصٌّ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَاضِعِينَ لِشَرِيعَتِهِمْ وَهُمْ لَا يَكُونُونَ إِلَّا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِهِمْ. وَفِي سِفْرِ تَثْنِيَةِ الِاشْتِرَاعِ (٢٣: ١٩: لَا تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبَا فِضَّةٍ أَوْ رِبَا طَعَامٍ أَوْ رِبَا شَيْءٍ مِمَّا يُقْرَضُ بِرِبًا ٢٠ لِلْأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرَبًا وَلَكِنْ لِأَخِيكَ لَا تُقْرِضْ بِرِبًا لِكَيْ يُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ فِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا) فَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ هُنَا إِنْ كَانَ مِنَ الْأَصْلِ هُوَ الْعَدُوُّ الْحَرْبِيُّ الَّذِي كَانُوا مَأْذُونِينَ فِي شَرِيعَتِهِمْ بِقِتَالِهِ لِامْتِلَاكِ بِلَادِهِ، وَهَذَا قَدْ مَضَى وَلَا يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ غَيْرَ إِسْرَائِيلِيٍّ فِي أَيِّ بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ اللهِ ـ تَعَالَى ـ خِلَافًا لِمَا يَجْرُونَ عَلَيْهِ إِلَى الْيَوْمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُعِدُّونَ عَرَبَ فِلَسْطِينَ الْمَالِكِينَ لِمُعْظَمِ أَرْضِهَا أَعْدَاءً حَرْبِيِّينَ كَالَّذِينَ كَانُوا فِيهَا عِنْدَ مُقَاتَلَةِ يُوشَعَ لَهُمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ سَلْبَ أَمْوَالِهِمْ وَسَفْكَ دِمَائِهِمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا؛ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَنْبِيَاءَهُمْ وَعَدُوهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْبَلَادَ كُلَّهَا وَمَا فِيهَا مِنْ مَوْضِعِ هَيْكَلِ سُلَيْمَانَ سَتَعُودُ إِلَيْهِمْ، كَمَا وَعَدَ الرَّبُّ أَجْدَادَهُمْ مِنْ قَبْلُ بِجَعْلِهَا لَهُمْ، وَلَكِنْ وَعْدُ أَنْبِيَائِهِمْ مُقَيَّدٌ بِإِتْيَانِ الْمَسِيحِ، وَقَدْ أَتَى وَكَذَّبَهُ أَكْثَرُهُمْ، فَإِنْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ غَيْرَهُ، فَلْيَصْبِرُوا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ وَيُصَدِّقَ بِشَارَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَمَّا التَّعَدِّي عَلَى أَهْلِ الْبِلَادِ وَمُحَاوَلَةُ سَلْبِ أَرْضِهِمْ وَعَقَارِهِمْ مِنْهُمْ بِتْسَخِيرِ بَعْضِ الدُّوَلِ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute