للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ مِنَ السُّورَةِ الَّتِي سُمِّيَتْ بِاسْمِهَا وَهُوَ: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٣٣: ٩) وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْجُنُودُ وَالْجُنُودُ الَّتِي أُرْسِلَتْ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ لِتَخْذِيلِ الْمُشْرِكِينَ وَتَأْيِيدِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي مَعْنَاهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَى غَزْوَةِ بَدْرٍ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٨: ٩) فَهَذِهِ الْمَلَائِكَةُ نَزَلَتْ لِإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَأْيِيدِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَثْبِيتِ قُلُوبِهِمْ، كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (٨: ١٠ - ١٢) وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ السِّيَاقِ [فِي ص٥٠٥ - ٥١١ ج ٩ ط الْهَيْئَةِ] وَفِيهِ ذِكْرُ آيَاتِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَزْوَةِ أُحُدٍ - فَإِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِعِ كُلِّهَا نَزَلَتْ لِتَأْيِيدِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَخْذِيلِ هَؤُلَاءِ، وَكَانَ النَّائِبُ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَالُّ مَحَلِّهِمْ فِي خِدْمَةِ رَسُولِهِ يَوْمَ الْهِجْرَةِ هُوَ صَاحِبُهُ الْأَوَّلُ، الَّذِي اخْتَارَهُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، فَأَيُّ بُعْدٍ فِي أَنْ يَكُونَ التَّأْيِيدُ الْمُرَافِقُ لِإِنْزَالِ السَّكِينَةِ لَهُ لِحُلُولِهِ مَحَلِّهِمْ كُلِّهِمْ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا إِلَّا بِالتَّبْلِيغِ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ،

كَمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا أَيَّدَ بِهِ تَعَالَى سَائِرَ أَصْحَابِ رَسُولِهِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ كَانَ تَأْيِيدًا لَهُ، وَتَحْقِيقًا لِمَا وَعَدَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ النَّصْرِ عَلَى جَمِيعِ أَعْدَائِهِ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ:

وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فِي الْآيَةِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِـ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا كَلِمَةَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، وَبِـ كَلِمَةُ اللهِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ وَعَلَيْهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ عَدَاوَةَ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ دَعْوَتِهِ إِلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ مِنْ جَمِيعِ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَخُرَافَاتِ الْوَثَنِيَّةِ؛ وَلِذَلِكَ قَامَ أَبُو سُفْيَانَ عِنْدَ ظُهُورِ الْمُشْرِكِينَ فِي أُحُدٍ فَقَالَ رَافِعًا صَوْتَهُ لِيَسْمَعَ الْمُسْلِمُونَ: اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبَلُ. وَهُبَلُ صَنَمُهُمُ الْأَكْبَرُ، فَأَمَرَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يُجَابَ: " اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ غَضَبًا وَحَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْمَغْنَمِ وَلِلذِّكْرِ، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ.

الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلِمَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا مَا أَجْمَعُوهُ بَعْدَ التَّشَاوُرِ فِي دَارِ النَّدْوَةِ مِنَ الْفَتْكِ بِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْقَضَاءِ عَلَى دَعْوَتِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا (٨: ٣٠) إِلَخْ. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِـ كَلِمَةُ اللهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>