الْوَجْهِ، لِمَا فِيهِ مَعَ مَا عَظَّمُوا مِنْ ذِكْرِ الرُّومِ وَغَزْوِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جَدَّ فِي سَفَرِهِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجِهَازِ وَالِانْكِمَاشِ، وَحَضَّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النَّفَقَةِ وَالْحِمْلَانِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَضَرَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ عَسْكَرَهُ عَلَى ذِي حِدَةٍ أَسْفَلَ مِنْهُ نَحْوَ ذُبَابِ جَبَلٍ بِالْجَبَّانَةِ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَيْسَ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرَيْنِ، فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيْبِ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَخَا بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نَبْتَلٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ التَّابُوتِ أَخَا بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانُوا مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانُوا مِمَّنْ يَكِيدُ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، قَالَ: وَفِيهِمْ - كَمَا ثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - أَنْزَلَ اللهُ: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ اهـ. وَأَوَّلُ هَذَا التَّلْخِيصِ مُوَافِقٌ لِمَا لَخَّصْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَبَقِيَّةُ مَا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ أُبَيٍّ وَعَسْكَرِهِ فِيهِ مُبَالَغَةٌ أَشَارَ الطَّبَرِيُّ إِلَى عَدَمِ ثِقَتِهِ بِهَا بِقَوْلِهِ: (فِيمَا يَزْعُمُونَ) وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُتَخَلِّفِينَ ٣٦ رَجُلًا.
وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُحَاوَلَةُ الْمُنَافِقِينَ اغْتِيَالَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ هَذَا. وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعَوْدَةِ مِنْ تَبُوكَ، وَهِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي آيَةِ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا (٧٤) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ
وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute