للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَلَاحِدَةُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَمْصَارِ أَصْنَافٌ (مِنْهُمْ) مَنْ يُجَاهِرُ بِالْكُفْرِ بِاللهِ إِمَّا بِالتَّعْطِيلِ وَإِنْكَارِ وُجُودِ الْخَالِقِ، وَإِمَّا بِالشِّرْكِ بِعِبَادَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَاهِرُ بِإِنْكَارِ الْوَحْيِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ، أَوْ بِالطَّعْنِ فِي النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَوْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ بِمَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِلُّ شُرْبَ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَتَرْكَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَهَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُصَلِّي وَلَا يُزَكِّي وَلَا يَصُومُ وَلَا يَحُجُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ، وَهَؤُلَاءِ لَا اعْتِدَادَ بِإِسْلَامِهِمُ الْجُغْرَافِيِّ، فَلَا يَجُوزُ إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُزَكِّي أَنْ يَتَحَرَّى بِزَكَاتِهِ مَنْ يَثِقُ بِصِحَّةِ عَقِيدَتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَإِذْعَانِهِمْ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْقَطْعِيَّيْنِ فِي الدِّينِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَؤُلَاءِ عَدَمُ اقْتِرَافِ شَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يُذْنِبُ وَلَكِنَّهُ يَتُوبُ. وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ وَلَا بِبِدْعَةٍ عَمَلِيَّةٍ أَوِ اعْتِقَادِيَّةٍ هُوَ فِيهَا مُتَأَوِّلٌ لَا جَاحِدٌ لِلنَّصِّ. وَأَنَّ الْفَرْقَ عَظِيمٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِ الْمُذْعِنِ لِأَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ إِذَا أَذْنَبَ، وَالْمُسْتَحِلِّ لِتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَاقْتِرَافِ الْفَوَاحِشِ فَهُوَ يُصِرُّ عَلَيْهِمَا بِدُونِ شُعُورٍ مَا بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مِنَ اللهِ بِشَيْءٍ، وَلَا بِأَنَّهُ قَدْ عَصَاهُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرَهُ.

وَلَا يَنْبَغِي إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِمَنْ يَشُكِّكُ الْمُسْلِمَ فِي إِسْلَامِهِ. وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ فِيمَنْ يَرَاهُمْ بِعَيْنِهِ فِي الْمَقَاهِي وَالْحَانَاتِ وَالْمَلَاهِي يُدَخِّنُونَ أَوْ يَسْكَرُونَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَتَّى فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمَلْهَى تُجَاهَ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْجُمُعَةِ؟ هَلْ يُعَدُّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُذْنِبِينَ؟ أَمْ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ الْإِبَاحِيِّينَ؟ مَهْمَا يَكُنْ ظَنُّهُ فِيهِمْ فَلَا يُعْطِهِمْ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ شَيْئًا، بَلْ يَتَحَرَّى بِهَا مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَصَلَاحِهِ، إِلَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ فِي إِعْطَاءِ الْفَاسِقِ اسْتِصْلَاحًا لَهُ فَيَكُونُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.

(٦) الْتِزَامُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ كَافٍ لِإِعَادَةِ مَجْدِ الْإِسْلَامِ:

الْمَالُ قِوَامُ الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْمِلِّيَّةِ أَوْ مِلَاكُهَا وَقِيَامُ نِظَامِهَا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا (٤: ٥) إِنَّ الْإِسْلَامَ يَمْتَازُ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالشَّرَائِعِ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ فِيهِ، كَمَا يَعْتَرِفُ لَهُ بِهَذَا حُكَمَاءُ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَعُقَلَاؤُهَا، وَلَوْ أَقَامَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا الرُّكْنَ مِنْ دِينِهِمْ لَمَا وُجِدَ فِيهِمْ - بَعْدَ أَنْ كَثَّرَهُمُ اللهُ، وَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ - فَقِيرٌ مُدْقِعٌ، وَلَا ذُو غُرْمٍ مُفْجِعٌ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ تَرَكُوا هَذِهِ الْفَرِيضَةَ فَجَنَوْا عَلَى دِينِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ فَصَارُوا أَسْوَأَ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ حَالًا فِي مَصَالِحِهِمُ الْمِلِّيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ، حَتَّى فَقَدُوا مُلْكَهُمْ وَعِزَّهُمْ وَشَرَفَهُمُ النَّصْرَانِيَّةَ، وَصَارُوا عَالَةً عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ الْأُخْرَى حَتَّى فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ، فَهُمْ يَلْقَوْنَهُمْ فِي مَدَارِسِ دُعَاةٍ أَوْ دُعَاةِ الْإِلْحَادِ فَيُفْسِدُونَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيَقْطَعُونَ رَوَابِطَهُمُ الْمِلِّيَّةَ وَالْجِنْسِيَّةَ، وَيُعِدُّونَهُمْ لِيَكُونُوا عَبِيدًا أَذِلَّةً لِلْأَجَانِبِ عَنْهُمْ. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: لِمَاذَا لَا تُؤَسِّسُونَ لِأَنْفُسِكُمْ مَدَارِسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>