للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٢: ١٠٢) أَيْ: فِي شَأْنِ مُلْكِهِ. وَيُقَالُ: كَانَ كَذَا عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ أَيْ: فِي عَهْدِهِمْ وَزَمَنِهِمْ. وَالْمُرَادُ بِإِنْبَائِهِمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ لَازَمَهُ، وَهُوَ فَضِيحَتُهُمْ وَكَشْفُ عُوَارِهِمْ وَإِنْذَارُهُمْ مَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِقَابِهِمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي

قُلُوبِهِمْ أَيْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ الْحَذِرِينَ مِنَ الشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ وَتَرَبُّصِ الدَّوَائِرِ بِهِمْ أَيْ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي يُسِرُّونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَالْأَضْغَانِ الَّتِي يُخْفُونَهَا فِي قُلُوبِهِمْ. قِيلَ: فِيهِ تَفْكِيكٌ لِلضَّمَائِرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَفْكِيكَ الضَّمَائِرِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، وَلَا يُنَافِي الْبَلَاغَةَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَعْنَى بِهِ غَيْرَ مَفْهُومٍ.

وَلَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَحْثَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا تَفْكِيكٌ لِلضَّمَائِرِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَحْلِفُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ لِيُرْضُوهُمْ، وَقَدْ وَبَّخَهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى اهْتِمَامِهِمْ بِإِرْضَاءِ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ إِرْضَاءِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمَا أَحَقُّ بِالْإِرْضَاءِ، وَأَوْعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُحَادَّةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْخُلُودَ فِي النَّارِ ثُمَّ بَيَّنَ بِطَرِيقَةِ الِاسْتِئْنَافِ سَبَبَ حَلِفِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَاهْتِمَامِهِمْ بِإِرْضَائِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَحْذَرُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَتُبْطِلُ ثِقَتَهُمْ بِهِمْ، فَأُعِيدَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِيهِمْ.

(وَالْبَحْثُ الْآخَرُ) أَنَّ إِنْزَالَ الْوَحْيِ يُعَدَّى بِـ " إِلَى " وَبِـ " عَلَى " إِلَى الرَّسُولِ الَّذِي يَتَلَقَّاهُ عَنِ اللهِ تَعَالَى - وَيُعَدَّى بِهِمَا إِلَى قَوْمِهِ الْمُنَزَّلِ لِيُتْلَى عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ هِدَايَتِهِمْ، وَكِلَا الِاسْتِعْمَالَيْنِ مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا (٢: ١٣٦) إِلَخْ. وَقَالَ: قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا (٣: ٨٤) إِلَخْ. وَقَالَ: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ (٧: ٣) وَقَالَ: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ (٢: ٢٣١) وَقَالَ: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٢١: ١٠) ؟ .

قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ اسْتَدَلَّ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ بِهَذَا الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَظْهَرُوا الْحَذَرَ مِمَّا ذُكِرَ اسْتِهْزَاءً، وَلَمْ يَكُونُوا يَحْذَرُونَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ؛ لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ، وَيَرُدُّهُ إِسْنَادُ الْحَذَرِ إِلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَآخِرِهَا، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِالْحِكَايَةِ فَأَسْنَدَ الْحَذَرَ إِلَى قَوْلِهِمْ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَيْهِمْ، كَمَا أَسْنَدَ إِلَيْهِمْ كَثِيرًا مِنَ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا،

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (٢: ١٤) وَيُؤَيِّدُ وُقُوعَ الْحَذَرِ مِنْهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي السُّورَةِ الْمُضَافَةِ إِلَى اسْمِهِمْ: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (٦٣: ٤) وَفِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ لِضَرْبٍ آخَرَ مِنِ اسْتِهْزَائِهِمْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>