وَأَمَّا تَحْقِيقُ مَعْنَى الرُّؤْيَةِ وَالْحُكْمِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَعْنَى رِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحُجُبِ الَّتِي تَحْجُبُ الْعَبْدَ عَنْ رَبِّهِ، فَقَدْ فَصَّلْتُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ تَفْصِيلًا يُقَرِّبُهُ مِنَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ (ص١١٢ - ١٥٤ ج ٩ ط الْهَيْئَةِ) فَهُوَ وَمَا هُنَا مِمَّا انْفَرَدَ هَذَا التَّفْسِيرُ بِتَحْقِيقِهِ بِإِلْهَامِ اللهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَوَجْهُ الْمُقَابَلَةِ الضِّدْيَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي وَعِيدِ الْمُنَافِقِينَ قَبْلَهُ ظَاهِرٌ، فَالْجَنَّاتُ الَّتِي تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالْخُلُودُ فِيهَا مُقَابِلٌ لِنَارِ جَهَنَّمَ وَالْخُلُودِ فِيهَا، وَالْمَسَاكِنُ الطَّيِّبَةُ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ مُقَابِلٌ لِلْعَذَابِ الْمُقِيمِ، وَرِضْوَانُ اللهِ الْأَكْبَرُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُقَابِلٌ لِلَعْنَةِ اللهِ لِلْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ، إِذْ هِيَ الطَّرْدُ وَالْحِرْمَانُ مِنْ رَحْمَتِهِ الْخَاصَّةِ، نَعُوذُ بِوَجْهِهِ.
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَ مِنَ الْوَعْدِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِالنَّعِيمِ الْجُسْمَانِيِّ وَالرُّوحَانِيِّ، هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الَّذِي يُجْزَى بِهِ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ الْمُصْلِحُونَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْخَسِيسَةِ الْفَانِيَةِ، الَّتِي يَتَكَالَبُ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ الْفَاسِدُونَ الْمُفْسِدُونَ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي نَظَرِ الْمُتَّقِينَ بُلْغَةُ عَامِلٍ، وَزَادُ مُسَافِرٍ.
فَمَا عَلَى الْمُؤْمِنِ إِلَّا أَنَّ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ، وَيَنْصِبَ لَهَا الْمِيزَانَ، مِنْ كِفَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَكِفَّةِ الْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَيَحْكُمَ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا بِحُكْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا بِهَوَاهَا،
وَلَا يَغْتَرَّنَّ أَحَدٌ بِلَقَبِ الْإِسْلَامِ وَلَا بِدَعْوَى الْإِيمَانِ، إِلَّا شَهِدَ بِصِدْقِهِ الْقُرْآنُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ وَدَرَجَاتِهَا وَحُورِهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْمُنْكَرُ وَالْمَوْضُوعُ، وَالْمُرْسَلُ وَالْمَوْقُوفُ، وَمِنَ الْمَرْفُوعِ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ تَفْسِيرِ: وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ فَذَكَرَ أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، وَأَنَّهُمَا سَأَلَا عَنْهَا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَذَكَرَ وَصْفًا طَوِيلًا، مِنْهُ: أَنَّهُ يُوجَدُ هُنَالِكَ أُلُوفٌ مِنَ الْبُيُوتِ، فِي كُلٍّ مِنْهَا أُلُوفٌ مِنَ الْحَوَرِ الْعَيْنِ. . وَهُوَ مُنْكَرٌ لَا يَصِحُّ لَهُ مَتْنٌ وَلَا سَنَدٌ، وَقَدْ قَالَ الْمُحَقِّقَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي نِسَاءِ الْجَنَّةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِأَكْثَرَ مِنْ زَوْجَيْنِ لِكُلِّ رَجُلٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْ دَسَائِسِهِ أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute