للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانُوا أَجْدَرَ بِالثَّنَاءِ وَالْإِكْبَارِ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّهُمْ هُمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ أَيْ: يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمُ احْتِقَارًا لِمَا جَاءُوا بِهِ وَعَدًا لَهُ مِنَ الْحَمَاقَةِ وَالْجُنُونِ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ عَامٌّ يَشْمَلُ الْمُكْثِرِينَ وَالْمُقِلِّينَ.

قَالَ تَعَالَى فِي بَيَانِ جَزَاءِ هَؤُلَاءِ اللَّامِزِينَ السَّاخِرِينَ: سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ هَذَا التَّعْبِيرُ يُسَمَّى مُشَاكَلَةً، وَمَا هُوَ إِلَّا الْعَدْلُ فِي جَزَاءِ الْمُمَاثِلَةِ، أَيْ: جَزَاهُمْ بِمِثْلِ ذَنْبِهِمْ فَجَعَلَهُمْ سُخْرِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، بِفَضِيحَتِهِ لَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِبَيَانِ هَذَا الْخِزْيِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَخَازِيهِمْ وَعُيُوبِهِمْ، وَلَهُمْ فَوْقَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ. تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِيَ هَذَا السِّيَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَغَيْرِهِ.

لَا يَتَجَلَّى الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا بِبَيَانِ مَا نَزَلَتْ فِيهِ، وَمَنْ نَزَلَتْ فِيهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالتَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ. أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ فَجَاءَ أَبُو عُقَيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ الْآخَرُ هَذَا إِلَّا رِيَاءً، فَنَزَلَتِ: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ الْآيَةَ.

هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ، وَقَالَ فِي الزَّكَاةِ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ إِلَخْ. وَفِي رِوَايَةٍ: كُنَّا نَتَحَامَلُ عَلَى ظُهُورِنَا، قَالَ الْحَافِظُ فِي تَفْسِيرِ " نَتَحَامَلُ " مِنْ فَتْحِ الْبَارِي: أَيْ: يَحْمِلُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِالْأُجْرَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: تَحَامَلَ فِي الْأَمْرِ تَكَلَّفَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ، وَمِنْهُ تَحَامَلَ عَلَى فُلَانٍ أَيْ: كَلَّفَهُ مَا لَا يُطِيقُ، وَذَكَرَ الرِّوَايَاتِ فِي اسْمِ أَبِي عُقَيلٍ وَلَقَبِهِ - وَهُوَ الْحَبْحَابُ - وَمَا وَرَدَ فِيهِ، ثُمَّ لَخَّصَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ بِمَا نَخْتَارُهُ عَلَى مَا جَمَعَهُ السَّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِبَيَانِ طُرُقِهِ وَصِفَتِهِ فَقَالَ: وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: تَصَدَّقُوا فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْثًا قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدِي أَرْبَعَةُ آلَافٍ، أَلْفَيْنِ أُقْرِضُهُمَا رَبِّي، وَأَلْفَيْنِ أُمْسِكُهُمَا لِعِيَالِي، فَقَالَ: " بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ " قَالَ: وَبَاتَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَصَابَ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ - الْحَدِيثَ - قَالَ الْبَزَّارُ: لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا طَالُوتُ ابْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كَامِلٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي عَوَانَةَ مُرْسَلًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُغَازِي بِغَيْرِ إِسْنَادٍ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>