الْمَعْرُوفَةِ، وَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ كَثْرَةَ الْحَلِفِ ; لِشُعُورِ الْمُنَافِقِ دَائِمًا بِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ.
وَيَجِبُ التَّنَبُّهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِجَهْلٍ فَظِيعٍ - وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِمُذَاكَرَةِ بَعْضِ الْمُشْتَغِلِينَ بِعُلُومِ الدِّينِ التَّقْلِيدِيَّةِ - مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ مَا عَابَهُ الْكِتَابُ الْحَكِيمُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنْ أَعْمَالِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ كَدُعَاءِ غَيْرِ اللهِ وَاتِّخَاذِ أَوْلِيَاءَ مَنْ دُونِهِ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَيْهِ وَيَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَهُ فِيمَا يَطْلُبُونَ مِنْ دَفْعِ ضُرٍّ وَجَلْبِ نَفْعٍ مِمَّا لَا يُنَالُ بِالْكَسْبِ، فَهُوَ خَاصٌّ بِهِمْ وَبِأَوْلِيَائِهِمْ وَشُفَعَائِهِمْ وَأَنَّ وُقُوعَ مِثْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُنَافِي صِحَّةَ إِيمَانِهِمْ، وَالِاعْتِدَادَ بِإِسْلَامِهِمْ ; لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ مَنْ يَدْعُو الْأَصْنَامَ وَالْأَوْثَانَ وَيَجْعَلُهَا وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى تَشْفَعُ لَهُ عِنْدَهُ وَتُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ زُلْفَى، وَمَنْ يَدْعُو الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ لِذَلِكَ وَهُمْ عِبَادُ اللهِ الْمُكْرَمُونَ، الَّذِينَ لَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ؟ ؟
جَهِلَ هَؤُلَاءِ أَنَّ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلِّقِهِ فَمَنْ يَدْعُو مَعَ اللهِ صَنَمًا أَوْ كَوْكَبًا، كَمَنْ يَدْعُو نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا، عَلَى أَنَّ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ كَانَتْ تَمَاثِيلَ لِذِكْرَى بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَالْقُبُورِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى بَعْضِهِمْ نِسْبَةً صَحِيحَةً أَوْ مُزَوَّرَةً، وَلَكِنْ مَاذَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ الْمُدَافِعُونَ عَنِ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَدْعُونَ وَيَسْتَغِيثُونَ الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ، مُتَوَسِّلِينَ بِهِمْ وَمُسْتَشْفِعِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعَ الْقُبُورِيُّونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سُنَنَهُمْ فِي شِرْكِهِمْ كَمَا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ تَحْذِيرًا وَإِنْذَارًا بِقَوْلِهِ ((لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ)) الْحَدِيثَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِرَارًا، وَفُصِّلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا) (٣١) فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهَا.
وَيَذْكُرُ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ بِالْقُرْآنِ وَتَارِيخِ الْإِسْلَامِ فَرْقًا آخَرَ بَيْنَ شِرْكِ الْمُسْلِمِينَ وَشِرْكِ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ السَّابِقِينَ اتَّخَذُوا أَوْثَانَهُمْ وَأَنْبِيَاءَهُمْ وَأَوْلِيَاءَهُمْ آلِهَةً وَأَرْبَابًا، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الْأَوْلِيَاءَ وَيَسْتَغِيثُونَهُمْ فِي الشَّدَائِدِ طَلَبًا لِشَفَاعَتِهِمْ لَمْ يَتَّخِذُوهُمْ آلِهَةً وَلَا أَرْبَابًا وَإِنَّمَا يَتَّخِذُونَهُمْ وَسَائِلَ وَوَسَائِطَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مِثْلَهُمْ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَمَلِ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا فِي التَّسْمِيَةِ وَلَكِنْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَمُشْرِكُو الْعَرَبِ لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَ أَصْنَامَهُمْ أَرْبَابًا، بَلْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقَهُمْ وَمُدَبِّرَ أُمُورِهِمُ الَّذِي يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ ; لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى لُغَتِهِمْ ; وَإِنَّمَا كَانُوا يُسَمُّونَهَا آلِهَةً لِأَنَّ الْإِلَهَ فِي لُغَتِهِمْ هُوَ الْمَعْبُودُ، وَالْمَعْبُودُ هُوَ مَنْ يُتَوَجَّهُ إِلَيْهِ وَيُدْعَى فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ النَّاسُ بِكَسْبِهِمْ فِي دَائِرَةِ الْأَسْبَابِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُمْ، وَيُعَظَّمُ وَيُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالذَّبَائِحِ وَغَيْرِهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانُهُ عَلَى النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ بِذَاتِهِ لِذَاتِهِ وَهُوَ اللهُ تَعَالَى أَوْ بِشَفَاعَتِهِ عِنْدَ اللهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا الْمَعْنَى مِرَارًا. وَسَيُعَادُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يُونُسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute