للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُؤْمِنِينَ لِأُولَئِكَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ فِي رِضَاءِ اللهِ وَثَوَابِهِ بِقَدْرِ اتِّبَاعِهِمْ لَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ إِنْ وُجِدَتْ أَسْبَابُهَا وَالْجِهَادِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ لِنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْهَا نُصْرَتُهُ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، وَفِي سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَإِنَّ الْآيَاتِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ; لِأَنَّ الْجَزَاءَ فِي حُكْمِ اللهِ الْحَقُّ وَشَرْعُهُ الْعَدْلُ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَلِلسَّابِقِينَ فِي كُلِّ عَمَلٍ فَضِيلَةُ السَّبْقِ وَالْإِمَامَةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَيَمْتَازُ عَصْرُ الرَّسُولِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَأُقِيمَ بُنْيَانُهُ، وَرُفِعَتْ أَرْكَانُهُ، وَنُشِرَتْ فِي الْخَافِقَيْنِ أَعْلَامُهُ، عَلَى كُلِّ عَصْرٍ بَعْدَهُ، وَهُمُ الْأَقَلُّونَ الْمُقَرَّبُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٥٦: ١٠ - ١٤) .

هَذِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْمَغُ حَقُّهَا بَاطِلَ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَطْعَنُونَ فِيهِمْ، وَيُحْثُونَ التُّرَابَ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَالَّذِي سَنَّ لَهُمْ هَذَا الطَّعْنَ فِي جُمْهُورِهِمُ الْأَعْظَمِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَبَأٍ الْيَهُودِيُّ الَّذِي أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ لِأَجْلِ إِيقَاعِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِفْسَادِ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ نَظَّمَ الدَّعْوَةَ لِذَلِكَ زَنَادِقَةُ الْمَجُوسِ بَعْدَ فَتْحِ الْمُسْلِمِينَ لِبِلَادِهِمْ، كَمَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا. ثُمَّ جَعَلَ الرَّفْضَ مَذْهَبًا لَهُ فِرَقٌ ذَاتُ عَقَائِدَ، مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ ابْتِدَاعٌ قَبِيحٌ. وَمِنْهَا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَخْرٍ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: أَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: مَا قَوْلُكَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: جَمِيعُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنَّةِ مُحْسِنُهُمْ وَمُسِيئُهُمْ. فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ اقْرَأْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) - إِلَى أَنْ قَالَ: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا

عَنْهُ) وَقَالَ: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) شَرَطَ فِي التَّابِعِينَ شَرِيطَةً وَهِيَ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ فِي أَفْعَالِهِمُ الْحَسَنَةِ دُونَ السَّيِّئَةِ. قَالَ أَبُو صَخْرٍ: فَكَأَنِّي لَمْ أَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ قَطُّ.

وَالتَّحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ. فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا فِي بَيَانِ حَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي عَهْدِ نُزُولِهَا مُؤْمِنِيهِمْ وَمُنَافِقِيهِمْ. وَمُحْسِنِيهِمْ وَمُسِيئِيهِمْ وَالَّذِينَ خَلَطُوا مِنْهُمْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا وَالَّذِينَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَالَّذِينَ أَرْجَأَ تَوْبَتَهُمْ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي أَنَّ الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ - عِنْدَمَا أُبِيحَتِ الْهِجْرَةُ وَتَيَسَّرَتْ أَسْبَابُهَا بِصُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ قَدْ فَازُوا كُلُّهُمْ بِرِضَاءِ اللهِ وَوَعْدِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَلْ كَانَ جَمِيعُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ وَأَعْتَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَهَا فَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَالسُّيُوفُ تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَكَانَ مِنْهُمُ الْمُنَافِقُونَ وَضُعَفَاءُ الْإِيمَانِ الْمُقَلِّدُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا سَبَبَ الْهَزِيمَةِ فِي حُنَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ (٢٥ - ٢٧) ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُ الْأَكْثَرِينَ، فَفَتَحُوا الْفُتُوحَاتِ وَنَشَرُوا الْإِسْلَامَ فِي الْعَالَمِينَ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ جَمِيعَ أَفْرَادِ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ، قَدْ جَازُوا الْقَنْطَرَةَ وَاسْتَبَقُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>