للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَهْدِهِ، وَمِثْلُهُ

يُقَالُ فِي (الصَّادِقِينَ) مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِي قِصَّتِهِمْ يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِهَا دُخُولًا أَوَّلِيًّا. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَأَعْرَقُ فِي الصِّدْقِ وَأَكْمَلُ. وَلَكِنِّي أَشُمُّ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ رَائِحَةَ وَضْعِ النَّوَاصِبِ وَالرَّوَافِضِ. وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِـ (الصَّادِقِينَ) الْمُهَاجِرُونَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ احْتَجَّ بِالْآيَةِ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا وَجْهَ لَهُ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ لَا يَصِحُّ، وَوَجَّهَهُ الْقَائِلُونَ بِهِ بِأَنَّهُ جَعَلَ الصَّادِقِينَ هُنَا هُمُ الصَّادِقِينَ فِي آيَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) إِلَى قَوْلِهِ - (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (٥٩: ٨) وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَصْفُ خَاصًّا بِالْمُهَاجِرِينَ حَيْثُ وُجِدَ فِي الْقُرْآنِ مُعَرَّفًا كَآيَةِ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) - إِلَى قَوْلِهِ - (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (٤٩: ١٥) وَقَوْلِهِ: (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ) (٣٣: ٨) - (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ) (٣٣: ٢٤) وَغَيْرِهِنَّ - وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَمَعَ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي الْإِمَامَةِ كَمَا قَالَ الطَّوْفِيُّ.

أَخْرَجَ سَعْدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَشْهَرُ رُوَاةِ التَّفْسِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ فِي جِدٍّ وَلَا هَزْلٍ، وَلَا يَعِدْ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ شَيْئًا ثُمَّ لَا يُنْجِزُهُ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٩: ١١٩) فَهَلْ تَجِدُونَ لِأَحَدٍ رُخْصَةً فِي الْكَذِبِ؟ وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظٍ ((إِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ، وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ ابْنَهُ ثُمَّ لَا يُنْجِزُ لَهُ، إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ إِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ، وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا)) وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ - إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا - وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ)) - إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَهُ - وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضِيلَةِ الصِّدْقِ وَرَذِيلَةِ الْكَذِبِ وَكَوْنِهَا مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَفِي رِوَايَاتٍ عَدِيدَةٍ ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يُطْبَعُ عَلَى كُلِّ

خُلُقٍ إِلَّا الْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ)) وَإِنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي الْكَذِبِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مِنْ خَدِيعَةِ حَرْبٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا - يَعْنِي فِي مِثْلِ التَّحَبُّبِ إِلَيْهَا بِوَصْفِ مَحَاسِنِهَا وَرِضَاهُ عَنْهَا، لَا فِي مَصَالِحِ الدَّارِ وَالْعِيَالِ وَغَيْرِهَا - وَالرِّوَايَةُ فِي هَذَا عَلَى عِلَّاتِهَا تُقَيَّدُ بِحَدِيثِ ((إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ، وَفِي رِوَايَةٍ ((مَا يُغْنِي الرَّجُلَ الْعَاقِلَ عَنِ الْكَذِبِ)) رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ الْأَوَّلُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالثَّانِي عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.

<<  <  ج: ص:  >  >>