للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- سُورَةُ يُونُسَ

(السُّورَةُ الْعَاشِرَةُ فِي الْمُصْحَفِ وَآيَاتُهَا ١٠٩ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ الشَّامِيِّ ١١٠)

هِيَ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ (بَنِي إِسْرَائِيلَ) وَقِيلَ سُورَةِ هُودٍ. وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ كَوْنِهَا مَدَنِيَّةً غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةِ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ بَلْ لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي يُؤَيِّدُهُ مَوْضُوعُ السُّورَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَهُوَ يَدُورُ عَلَى إِثْبَاتِ أُصُولِ التَّوْحِيدِ وَهَدْمِ الشِّرْكِ وَإِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَدَفْعِ الشُّبَهَاتِ عَنْهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ فَكَيْفَ يُنْظَرُ إِلَيْهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّ الرُّوَاةَ لَمْ يَتْرُكُوا مُتَرَدَّمًا، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ: اسْتُثْنِيَ مِنْهَا: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) الْآيَتَيْنِ (٩٤ و٩٥) - وَقَوْلُهُ (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) (١٠ - ٤٠) الْآيَةَ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ مَكِّيٌّ وَالْبَاقِي مَدَنِيٌّ: حَكَاهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَالسَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ انْتَهَى. وَأَقُولُ: إِنَّ مَوْضُوعَ السُّورَةِ لَا يَقْبَلُ هَذَا مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ، وَهُوَ مِمَّا لَمْ تَثْبَتْ بِهِ رِوَايَةٌ. وَكَوْنُ الْمُرَادِ: بِـ (الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ) فِي الْآيَةِ (٩٤) الْيَهُودَ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَةِ. وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِيَّةِ فِيهَا الْفَرْضُ لَا وُقُوعُ الشَّكِّ حَقِيقَةً ; وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَا أَشُكُّ وَلَا أَسْأَلُ)) وَهُوَ مُرْسَلٌ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِهَا (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى نَزَلَ فِي سُوَرٍ مَكِّيَّةٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ (فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ)

(١٧: ١٠١) وَقَوْلِهِ فِي سُورَتَيِ النَّحْلِ الْآيَةِ (٤٣) وَالْأَنْبِيَاءِ الْآيَةِ (٧) (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .

وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا أَنَّ تِلْكَ خُتِمَتْ بِذِكْرِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ افْتُتِحَتْ بِهَا، وَأَنَّ جُلَّ تِلْكَ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَمِنْهُ مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ، وَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كَالْآيَاتِ (١٢٤ - ١٢٧) وَهَذِهِ فِي أَحْوَالِ الْكُفَّارِ، وَمِنْهَا مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْقُرْآنِ كَالْآيَاتِ (١٥ و١٦ و١٧ و٣٧ - ٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>