حَرْفٍ كَذَا حَسَنَةٍ، وَلَكِنْ فَاتَهُمْ أَنَّ حَسَنَةً وَاحِدَةً تَكُونُ أَكْبَرَ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ حَسَنَةٍ يَكُنَّ دُونَهَا فِي التَّأْثِيرِ.
وَ (الدِّينُ) يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْحِسَابِ وَعَلَى الْمُكَافَأَةِ، وَوَرَدَ " كَمَا تَدِينُ تُدَانُ " وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَا ... نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا
وَعَلَى الْجَزَاءِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمُكَافَأَةِ، وَعَلَى الطَّاعَةِ، وَعَلَى الْإِخْضَاعِ، وَعَلَى السِّيَاسَةِ؛ يُقَالُ: دِنْتُهُ، وَدَيَّنْتُهُ فُلَانًا (بِالتَّشْدِيدِ) أَيْ وَلَّيْتُهُ سِيَاسَتَهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْإِخْضَاعِ، وَعَلَى الشَّرِيعَةِ: مَا يُؤْخَذُ الْعِبَادُ بِهِ مِنَ التَّكَالِيفِ. وَالْمُنَاسِبُ هُنَا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْجَزَاءُ وَالْخُضُوعُ وَإِنَّمَا قَالَ " يَوْمِ الدِّينِ " وَلَمْ يَقُلِ " الدِّينِ " لِتَعْرِيفِنَا بِأَنَّ لِلدِّينِ يَوْمًا مُمْتَازًا عَنْ سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلْقَى فِيهِ كُلُّ عَامِلٍ عَمَلَهُ وَيُوَفَّى جَزَاءَهُ.
وَلِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ: أَلَيْسَتْ كُلُّ الْأَيَّامِ أَيَّامَ جَزَاءٍ. وَكُلُّ مَا يُلَاقِيهِ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنَ الْبُؤْسِ هُوَ جَزَاءٌ عَلَى تَفْرِيطِهِمْ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَالْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ الَّتِي عَلَيْهِمْ؟ وَالْجَوَابُ: بَلَى إِنَّ أَيَّامَنَا الَّتِي نَحْنُ فِيهَا قَدْ يَقَعُ فِيهَا الْجَزَاءُ عَلَى أَعْمَالِنَا، وَلَكِنْ رُبَّمَا لَا يَظْهَرُ لِأَرْبَابِهِ إِلَّا عَلَى بَعْضِهَا دُونَ جَمِيعِهَا. وَالْجَزَاءُ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي الْعَمَلِ الْوَاجِبِ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الدُّنْيَا ظُهُورًا تَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ لَا إِلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ، فَمَا مِنْ أُمَّةٍ انْحَرَفَتْ عَنْ صِرَاطِ اللهِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَمْ تُرَاعِ سُنَنَهُ فِي خَلِيقَتِهِ إِلَّا وَأَحَلَّ بِهَا الْعَدْلُ الْإِلَهِيُّ مَا تَسْتَحِقُّ مِنَ الْجَزَاءِ كَالْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَفَقْدِ الْعِزَّةِ وَالسُّلْطَةِ. وَأَمَّا الْأَفْرَادُ فَإِنَّنَا نَرَى كَثِيرًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ الظَّالِمِينَ يَقْضُونَ أَعْمَارَهُمْ مُنْغَمِسِينَ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ، نَعَمْ إِنَّ ضَمَائِرَهُمْ تُوَبِّخُهُمْ أَحْيَانًا وَإِنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِنَ الْمُنَغِّصَاتِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute