الْمُقَرَّبِينَ، أَوْ مَا دُونُ ذَلِكَ مِنْ مَظَاهِرِ الْخَلِيقَةِ، أَوْ صَنَمٍ أَوْ تِمْثَالٍ جُعِلَ تِذْكَارًا لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ - يُسَمَّى نِدًّا لِلَّهِ وَشَرِيكًا لَهُ وَوَلِيًّا مِنْ دُونِهِ، وَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّاهَا الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يُنْزِلِ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: قَسَّمَ الْمُفَسِّرُونَ الْأَنْدَادَ إِلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٍ يَعْمَلُ بِالِاسْتِقْلَالِ ; أَيْ: يَقْضِي حَاجَةَ مَنْ يَلْجَأُ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَقِسْمٍ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَيَتَوَسَّطُ لِصَاحِبِ الْحَاجَةِ فَتُقْضَى، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّفِيعُ نِدَّا ; لِأَنَّهُ يَسْتَنْزِلُ مَنْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ عَنْ رَأْيِهِ وَيُحَوِّلُ مِنْ إِرَادَتِهِ، وَتَحْوِيلُ الْإِرَادَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِتَغْيِيرِ الْعِلْمِ بِالْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ ; إِذِ الْإِرَادَةُ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ دَائِمًا، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى الشَّفَاعَةِ عِنْدَ السَّلَاطِينِ وَالْحُكَّامِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى. وَأَقَلُّ تَغْيِيرٍ فِي عِلْمِ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الشَّفِيعَ يَهُمُّهُ أَمْرُ مَنْ يَشْفَعُ لَهُ وَيَتَمَنَّى لَوْ تُقْضَى حَاجَتُهُ (وَسَتَرَى بَيَانَ هَذَا وَدَلِيلُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ) .
وَلَا يَرْغَبُ عَنِ الْأَسْبَابِ إِلَى التَّعَلُّقِ بِالْأَنْدَادِ وَالشُّفَعَاءِ إِلَّا مَنْ كَانَ قَلِيلَ الثِّقَةِ بِالسَّبَبِ أَوْ طَالِبًا مَا هُوَ أَعْجَلُ مِنْهُ، كَالْمَرِيضِ يُعَالِجُهُ الْأَطِبَّاءُ فَيَتَرَاءَى لَهُ أَوْ لِأَحَدِ أَقَارِبِهِ أَنْ يَلْجَأَ إِلَى مَنْ يَعْتَقِدُ تَأْثِيرَهُمْ فِي السُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْأَسْبَابِ طَلَبَا لِلتَّعْجِيلِ بِالشِّفَاءِ، وَمِثْلُهُ سَائِرُ أَصْحَابِ الْحَاجَاتِ الَّذِينَ يَلْجَئُونَ إِلَى مَنِ اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ لِيَكْفُوهُمْ عَنَاءَ اتِّخَاذِ الْأَسْبَابِ (وَذَكَرَ مِنْهُمْ طُلَّابَ خِدْمَةِ الْحُكُومَةِ) .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الْآخَرُ مِنَ الْأَنْدَادِ فَهُوَ: مَنْ يُتَّبَعُ فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُبَيِّنًا لِلنَّاسِ مَا جَاءَ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، فَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دَلِيلُهُ، وَيُتَّخَذُ رَأْيُهُ دِينًا وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ ; اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْوَحْيِ مِمَّنْ قَلَّدُوهُ دِينَهُمْ، وَأَوْسَعُ مِنْهُمْ فَهْمًا فِيمَا نَزَّلَ اللهُ. وَفِي هَؤُلَاءِ نَزَلَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ) (٩: ٣١) كَمَا وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَدْ عَظُمَتْ فِتْنَةُ مُتَّخِذِي الْأَنْدَادِ بِهِمْ حَتَّى كَانَ حُبُّهُمْ إِيَّاهُمْ مِنْ نَوْعِ حُبِّهِمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) أَيْ: يَجْعَلُونَ مِنْ بَعْضِ خَلْقِ اللهِ نُظَرَاءَ لَهُ فِيمَا هُوَ خَاصٌّ بِهِ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّهِ ; ذَلِكَ أَنَّ الْحُبَّ ضُرُوبٌ شَتَّى تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا وَعِلَلِهَا، وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْأُنْسِ بِالْمَحْبُوبِ أَوِ الرُّكُونِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَقَدْ يُحِبُّ الْإِنْسَانُ شَخْصًا لِأَنَّهُ يَأْنَسُ بِهِ وَيَرْتَاحُ إِلَى لِقَائِهِ لِمُشَاكَلَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا مُشَاكَلَةَ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَظْهَرُ فِيهِمْ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْحُبِّ.
وَمِنْ أَسْبَابِ الْحُبِّ اعْتِقَادُ الْمُحِبِّ أَنَّ فِي الْمَحْبُوبِ قُدْرَةً فَوْقَ قُدْرَتِهِ، وَنُفُوذًا يَعْلُو نُفُوذَهُ، مَعَ ثِقَتِهِ بِأَنَّهُ يَهْتَمُّ لِأَمْرِهِ وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ اللُّجْأُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute