للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنُلَخِّصُ الْمَوْضُوعَ هُنَا فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ:

(١) إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَجَعَلَهُ بِإِحْكَامٍ وَنِظَامٍ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَالَ، وَسُنَنٍ مُطَّرِدَةٍ رَبَطَ فِيهَا الْأَسْبَابَ بِالْمُسَبِّبَاتِ. فَمَخْلُوقَاتُهُ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى هِيَ مَظْهَرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلَى وَلِهَذَا قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ: لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ. وَهَذَا النِّظَامُ الْمُطَّرِدُ فِي الْأَكْوَانِ، الثَّابِتُ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَنُصُوصِ الْقُرْآنِ - هُوَ الْبُرْهَانُ الْأَعْظَمُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا) (٢١: ٢٢) .

(٢) إِنَّ سُنَنَ اللهِ تَعَالَى فِي إِبْدَاعِ خَلْقِهِ وَنِظَامِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّرْكِيبِ فِيهِ لَا يُحِيطُ بِهَا عِلْمًا غَيْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْبَشَرُ فِيهَا نَظَرًا وَتَفَكُّرًا وَاخْتِبَارًا وَتَدَبُّرًا وَتَجْرِبَةً وَتَصَرُّفًا، ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ أَسْرَارِهَا وَعَجَائِبِهَا مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ وَلَا يَظُنُّونَ، وَمِنْ مَنَافِعِهَا مَا لَمْ يَكُونُوا يَتَخَيَّلُونَ وَلَا يَتَوَهَّمُونَ. وَهَا نَحْنُ أُولَاءِ نَرَى مَرَاكِبَهُمُ الْهَوَائِيَّةَ مِنْ تِجَارِيَّةٍ وَحَرْبِيَّةٍ تُحَلِّقُ فِي الْأَجْوَاءِ، حَتَّى تَكَادَ تَتَجَاوَزُ مُحِيطَ الْهَوَاءِ، وَمَرَاكِبَهُمُ الْبَحْرِيَّةَ تَغُوصُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، وَنَرَاهُمْ يَتَخَاطَبُونَ مِنْ مُخْتَلِفِ الْأَقْطَارِ، كَمَا نَطَقَ الْوَحْيُ بِتَخَاطُبِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَعَ أَهْلِ النَّارِ فَيَسْمَعُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَأَهْلُ الْجَنُوبِ حَدِيثَ أَهْلِ الشَّمَالِ وَخُطَبَهُمْ وَأَغَانِيَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوِ الْمَكَانِ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْهُ الْكَلَامُ. وَقَدْ يَغْمِزُ أَحَدُهُمْ زِرًّا كَهْرَبَائِيًّا فِي قَارَّةِ أُورُبَّةَ فَتَتَحَرَّكُ بِغَمْزَتِهِ آلَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي قَارَّةٍ أُخْرَى فِي طَرْفَةِ عَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا الْمَهَامِهُ الْفِيَحُ وَالْجِبَالُ الشَّاهِقَةُ، وَمِنْ دُونِهِمَا الْبِحَارُ الْوَاسِعَةُ، وَالْجَاهِلُونَ بِهَذِهِ السُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْعُلُومِ الْعَمَلِيَّةِ، لَا يَزَالُونَ يَلْجَئُونَ فِي طَلَبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ - الَّتِي ضَيَّقَ الْجَهْلُ عَلَيْهِمْ سُبُلَهَا - إِلَى قُبُورِ الْمَوْتَى مِنَ الصَّالِحِينَ الْمَعْرُوفِينَ وَالْمَجْهُولِينَ لِيَقْضُوا لَهُمْ حَاجَتَهُمْ،

وَيَشْفُوا مَرْضَاهُمْ، وَيُعِينُوهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنْ زَوْجٍ وَقَرِيبٍ وَجَارٍ وَوَطَنِيٍّ، وَأَعْدَاؤُهُمْ مِنَ الْأَجَانِبِ قَدْ سَادُوا حُكُومَتَهُمْ، وَاسْتَذَلُّوا أُمَّتَهُمْ، وَاسْتَأْثَرُوا بِجُلِّ ثَرْوَتِهِمْ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءُ بِمَا يَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ ضَرَرَهُمْ وَتَحَكُّمَهُمْ.

(٣) إِنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ أَنْ يَكُونَ جَارِيًا عَلَى نِظَامِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ وَسُنَنِ اللهِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْعِلْمُ، وَأَخْبَرَنَا الْوَحْيُ بِأَنَّهُ لَا تَغْيِيرَ فِيهَا وَلَا تَبْدِيلَ لَهَا وَلَا تَحْوِيلَ فَكُلُّ خَبَرٍ عَنْ حَادِثٍ يَقَعُ مُخَالِفًا لِهَذَا النِّظَامِ وَالسُّنَنِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا اخْتَلَقَهُ الْمُخْبِرُ الَّذِي ادَّعَى شُهُودَهُ أَوْ خُدِعَ بِهِ وَلُبِّسَ عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ مِنَ الْأَسْبَابِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يَجْهَلُهَا الْمُخْبِرُ كَمَا حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْخَبَرِ وَمَا يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>