للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(خُلَاصَةُ الْخُلَاصَةِ لِهَذَا الْفَصْلِ)

إِنَّنَا نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَاخْتِيَارِهِ، وَحِكْمَتِهِ وَأَنَّهُ (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (٣٢: ٧) كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ (آلم) السَّجْدَةِ، فَهُوَ: (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (٢٧: ٨٨) كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي خَلْقِهِ تَفَاوُتٌ وَلَا فُطُورٌ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ، الْآيَةِ (٣) وَأَنَّهُ خَلَقَهُ بِنِظَامٍ وَتَقْدِيرٍ لَا جُزَافًا وَلَا أُنُفًا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (٥٤: ٤٩) وَقَالَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (٢٥: ٢) وَقَالَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (١٥: ١٩) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١٥: ٢١) .

وَأَنَّ لَهُ تَعَالَى فِي نِظَامِ التَّكْوِينِ وَالْإِبْدَاعِ، وَفِيمَا هَدَى إِلَيْهِ الْبَشَرَ مِنْ نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ سُنَنًا مُطَّرِدَةً تَتَّصِلُ فِيهَا الْأَسْبَابُ بِالْمُسَبَّبَاتِ، وَلَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَحَوَّلُ مُحَابَاةً لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَأَنَّهَا عَامَّةٌ فِي عَالَمِ الْأَجْسَامِ وَعَالَمِ الْأَرْوَاحِ، وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ هَذِهِ السُّنَنِ بِاللَّفْظِ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ.

وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ لَهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، وَأَنَّ لَهُ فِي آيَاتِهِ حِكَمًا جَلِيَّةً أَوْ خَفِيَّةً، وَأَنَّ مَا مَنَحَنَا إِيَّاهُ مِنَ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ يَأْبَيَانِ عَلَيْنَا أَنْ نُثْبِتَ وُقُوعَ شَيْءٍ فِي الْخَلْقِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ نِظَامِ التَّقْدِيرِ وَسُنَنِ التَّدْبِيرِ، إِلَّا بِبُرْهَانٍ قَطْعِيٍّ يَشْتَرِكُ الْعَقْلُ وَالْحِسُّ فِي إِثْبَاتِهِ وَتَمْحِيصِهِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ لَا عَنْ خَلَلٍ وَلَا عَبَثٍ، وَأَنَّ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا مِنْ حُكْمِهِ كَسَائِرِ مَا يَخْفَى عَلَيْنَا مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ، نَبْحَثُ عَنْهَا لِنُزَادَ عِلْمًا بِكَمَالِهِ وَنُكْمِلَ بِهِ أَنْفُسَنَا بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِنَا وَلَا نَتَّخِذَهَا حُجَّةً وَلَا عُذْرًا عَلَى الْكُفْرِ بِهِ لِجَهْلِنَا، وَقَدْ ثَبَتَ لِأَعْلَمِ الْعُلَمَاءِ مِنَّا أَنَّ مَا نَجْهَلُ مِنْ هَذَا الْكَوْنِ أَكْثَرُ مِمَّا نَعْلَمُ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُحِيطَ الْبَشَرُ بِهِ عِلْمًا.

وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ مَنَحَنَا رُسُلًا هَدَوْنَا بِآيَاتِهِ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَضِيقِ مَدَارِكِ الْحِسِّ، وَمَا يَسْتَنْبِطُهُ الْفِكْرُ مِنْهَا بَادِيَ الرَّأْيِ، إِلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ سَعَةِ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَلَوْلَا هِدَايَتُهُمْ لَظَلَّ الْبَشَرُ أُلُوفَ الْأُلُوفِ مِنَ السِّنِينَ يُنْكِرُونَ وُجُودَ مَا لَمْ يَكُونُوا يُدْرِكُونَهُ بِحَوَاسِّهِمْ مِنَ الْأَجْسَامِ وَأَعْرَاضِهَا، وَبِقِيَاسِهِمْ مَا جَهِلُوا عَلَى مَا عَلِمُوا مِنْهَا.

وَقَدْ عَلِمْنَا مِنَ التَّارِيخِ أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللهِ وَبِآيَاتِهِ لِرُسُلِهِ، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ هُوَ الَّذِي وَجَّهَ عُقُولَ الْبَشَرِ إِلَى الْبَحْثِ فِي أَسْرَارِ الْوُجُودِ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنَ الِارْتِقَاءِ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ فِي الْأَجْيَالِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>