الْخَطَرُ عَلَى الْبَشَرِ مِنِ ارْتِقَاءِ الْعِلْمِ بِدُونِ الدِّينِ:
إِنَّ حِرْمَانَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْإِيمَانِ بِآيَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا النَّوْعِ، قَدْ جَعَلَ حَظَّ الْبَشَرِ مِنْ هَذَا الِارْتِقَاءِ الْعَجِيبِ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُمُ ازْدَادُوا بِهِ شَقَاءً، حَتَّى صَارَتْ حَضَارَتُهُمْ مُهَدَّدَةً بِالتَّدْمِيرِ الْعِلْمِيِّ الصِّنَاعِيِّ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَجَمِيعُ عُلَمَائِهِمُ الْمُصْلِحِينَ وَسَاسَتِهِمُ الدَّهَاقِينَ فِي حَيْرَةٍ مِنْ تَلَافِي هَذَا الْخَطَرِ، وَلَنْ يُتَلَافَى إِلَّا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَهَذَا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ; وَلِأَجْلِهِ أَثْبَتَ الْآيَاتِ بِكِتَابِهِ وَفِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْضَعَ الْبَشَرُ إِلَّا لِمَا هُوَ فَوْقَ اسْتِطَاعَتِهِمْ، بِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ السُّلْطَانِ الْغَيْبِيِّ الْإِلَهِيِّ الَّذِي فَوْقَ اسْتِعْدَادِهِمْ، وَسَنُبَيِّنُ هَذَا الْجَمْعَ فِيمَا يَأْتِي مِنْ هَذَا الْبَحْثِ الْمُثْبِتِ لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ.
الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ
(بَيَانُ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَالْعَقْلِ وَالْفِكْرِ، وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَالْبُرْهَانِ وَالْحُجَّةِ، وَالضَّمِيرِ وَالْوِجْدَانِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ) .
قَدْ أَتَى عَلَى الْبَشَرِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَا يَعْرِفُونَ مِنَ الدِّينِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالِيمُ خَارِجَةٌ عَنْ مُحِيطِ الْعَقْلِ، كُلِّفَ الْبَشَرُ بِهَا مُقَاوَمَةَ فِطْرَتِهِمْ، وَتَعْذِيبَ أَنْفُسِهِمْ، وَمُكَابَرَةَ عُقُولِهِمْ وَبَصَائِرِهِمْ، خُضُوعًا لِلرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ يُلَقِّنُونَهُمْ إِيَّاهَا، فَإِنِ انْقَادُوا لِسَيْطَرَتِهِمْ عَلَيْهِمْ بِهَا كَانُوا مِنَ الْفَائِزِينَ، وَإِنْ خَالَفُوهُمْ سِرًّا أَوْ جَهْرًا كَانُوا مِنَ الْهَالِكِينَ.
حَتَّى إِذَا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُزَكِّيهِمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ الْمُبِينِ - بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ دِينَ اللهِ الْإِسْلَامَ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ، وَالْعَقْلِ وَالْفِكْرِ، وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَالْبُرْهَانِ وَالْحُجَّةِ، وَالضَّمِيرِ وَالْوِجْدَانِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ، وَأَنْ لَا سَيْطَرَةَ عَلَى رُوحِ الْإِنْسَانِ وَعَقْلِهِ وَضَمِيرِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَإِنَّمَا رُسُلُ اللهِ هُدَاةٌ مُرْشِدُونَ، مُبَشِّرُونَ وَمُنْذِرُونَ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَقْصِدِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَنُبَيِّنُ هَذِهِ الْمَزَايَا بِالشَّوَاهِدِ الْمُخْتَصَرَةِ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَقُولُ:
(١) الْإِسْلَامُ دِينُ الْفِطْرَةِ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (٣٠: ٣٠) الْحَنِيفُ صِفَةٌ مِنَ الْحَنَفِ (بِالتَّحْرِيكِ) وَهُوَ الْمَيْلُ عَنِ الْعِوَجِ إِلَى الِاسْتِقَامَةِ. وَعَنِ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، وَعَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ، وَيُقَابِلُهُ الزَّيْغُ وَهُوَ الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ إِلَخْ. وَفِطْرَةُ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute