فِي الْكَلَامِ عَلَى وَظَائِفِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَحَسْبُكَ مِنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمِ النَّبِيِّينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) (٨٨: ٢١، ٢٢) .
الْمَقْصِدُ الرَّابِعُ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ
(الْإِصْلَاحُ الِاجْتِمَاعِيُّ الْإِنْسَانِيُّ وَالسِّيَاسِيُّ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِالْوَحَدَاتِ الثَّمَانِ)
وَحْدَةُ الْأُمَّةِ - وَحْدَةُ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ - وَحْدَةُ الدِّينِ - وَحْدَةُ التَّشْرِيعِ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْعَدْلِ - وَحْدَةُ الْأُخُوَّةِ الرُّوحِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي التَّعَبُّدِ - وَحْدَةُ الْجِنْسِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ - وَحْدَةُ الْقَضَاءِ - وَحْدَّةُ اللُّغَةِ.
جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالْبَشَرُ أَجْنَاسٌ مُتَفَرِّقُونَ، يَتَعَادَوْنَ فِي الْأَنْسَابِ وَالْأَلْوَانِ وَاللُّغَاتِ وَالْأَوْطَانِ وَالْأَدْيَانِ، وَالْمَذَاهِبِ وَالْمَشَارِبِ، وَالشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ، وَالْحُكُومَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ، يُقَاتِلُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مُخَالِفَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرَّوَابِطِ الْبَشَرِيَّةِ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ، فَصَاحَ الْإِسْلَامُ بِهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً دَعَاهُمْ بِهَا إِلَى الْوَحْدَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْعَامَّةِ الْجَامِعَةِ وَفَرَضَهَا عَلَيْهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالتَّعَادِي وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، وَبَيَانُ هَذَا التَّفْرِيقِ وَمَضَارِّهِ بِالشَّوَاهِدِ التَّارِيخِيَّةِ، وَبَيَانُ أُصُولِ الْكِتَابِ الْإِلَهِيِّ وَسُنَّةِ
خَاتَمِ النَّبِيِّينَ فِي الْجَامِعَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، لَا يُمْكِنُ بَسْطُهُمَا إِلَّا بِمُصَنَّفٍ كَبِيرٍ، فَنَكْتَفِي فِي هَذِهِ الْخُلَاصَةِ الِاسْتِطْرَادِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْوَحْيِ الْمُحَمَّدِيِّ، بِسَرْدِ الْأُصُولِ الْجَامِعَةِ فِي هَذَا الْإِصْلَاحِ الْإِنْسَانِيِّ الدَّاعِي إِلَى جَعْلِ النَّاسِ مِلَّةً وَاحِدَةً، وَدِينًا وَاحِدًا وَشَرْعًا وَاحِدًا، وَحُكْمًا وَاحِدًا وَلِسَانًا وَاحِدًا، كَمَا أَنَّ جِنْسَهُمْ وَاحِدٌ، وَرَبَّهُمْ وَاحِدٌ.
وَنَبْدَأُ بِالْأَصْلِ الْجَامِعِ فِي هَذَا وَنُقَفِّي عَلَيْهِ بِالْأُصُولِ وَالشَّوَاهِدِ الْمُفَصِّلَةِ لَهُ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ مُخَاطِبًا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٢١: ٩٢) .
ثُمَّ بَيَّنَ لَهَا فِي سُورَةِ ((الْمُؤْمِنُونَ)) أَنَّهُ خَاطَبَ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ بِهَذِهِ الْوَحْدَةِ لِلْأُمَّةِ فَقَالَ: يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (٢٣: ٥١، ٥٢) وَلَكِنْ كَانَ لِكُلِّ نَبِيٍّ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ هُمْ قَوْمُهُ، وَأَمَّا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَأَمَّتُهُ جَمِيعُ النَّاسِ، وَقَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ رُسُلِهِ وَعَدَمَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْإِيمَانُ بِخَاتَمِهِمْ كَالْإِيمَانِ بِأَوَّلِهِمْ وَبِمَنْ بَيْنَهُمَا، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْمُلُوكِ أَوِ الْوُلَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute