للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَتَّخِذُوا الْأَنْدَادَ مِثْلَهُمْ، حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ فَتَتَقَطَّعُ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَلَا تُغْنِي عَنْهُمُ الْأَنْدَادُ وَالْأَرْبَابُ، أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا يَظْهَرُ تَصَرُّفُهَا

الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ مَوْجُودٍ، وَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ سُلْطَانُهَا تَمَثُّلَ الْمَشْهُودِ، فَلَا تَحْجِبُهُمْ عَنْهَا أَسْبَابٌ ظَاهِرَةٌ، وَلَا تَخْدَعُهُمْ عَنْهَا قُوًى تُتَوَهَّمُ كَامِنَةً، لَعَلِمُوا أَنَّ هَذِهِ الْقُوَّةَ الَّتِي تُدِيرُ عَالَمَ الْآخِرَةِ هِيَ عَيْنُ الْقُوَّةِ الَّتِي كَانَتْ تُدِيرُ عَالَمَ الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا قُوَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَأْثِيرَ لِغَيْرِهَا فِيهَا وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ بِدُونِهَا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا ضَالِّينَ فِي اللُّجْأِ إِلَى سِوَاهَا، وَإِشْرَاكِ غَيْرِهَا مَعَهَا، وَأَنَّ هَذَا الضَّلَالَ هَبَطَ بِعُقُولِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ، وَكَانَ مَنْشَأَ عِقَابِهِمْ وَعَذَابِهِمْ، وَلَوْ رَأَوْا مَعَ هَذَا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ لَرَأَوْا أَمْرًا هَائِلًا عَظِيمًا يَنْدَمُونَ مَعَهُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.

وَأَمْثَالُ هَذَا الْوَعِيدِ عَلَى مَنْ يَشُوبُ إِيمَانَهُ بِأَدْنَى شَائِبَةٍ مِنَ الشِّرْكِ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ هِيَ تُتْرَكُ كُلُّهَا وَيُتْرَكُ مَعَهَا مَا يُؤَيِّدُهُ مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَسِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَيُؤْخَذُ بِالشِّرْكِ الصَّحِيحِ عَمَلًا بِأَقْوَالِ أُنَاسٍ مِنَ الْمَيِّتِينَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُعْرَفُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ وَلِيًّا عَمَلًا بِبَعْضِ الرُّؤَى وَالْأَحْلَامِ أَوْ لِاخْتِرَاعِ بَعْضِ الطَّغَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْرَفُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ تَارِيخٌ يُوثَقُ بِهِ، وَلَا رِوَايَةٌ يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْخَلَفُ الطَّالِحُ كَلَامَ هَؤُلَاءِ عَلَى كَلَامِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَكَلَامِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ ; لِأَنَّ الْعَامَّةَ اعْتَقَدَتْ صَلَاحَهُمْ وَوِلَايَتَهُمْ، وَالْعَامَّةُ قُوَّةٌ تَخْضَعُ لَهَا الْخَاصَّةُ فِي أَكْثَرِ الْأَزْمَانِ.

وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ فِيهَا عِلْمِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ الْجَلَالِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّهَا بَصَرِيَّةٌ وَإِنَّمَا سُلِّطَتْ عَلَى الْمَعْقُولِ لِإِنْزَالِهِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَوْ يَتَمَثَّلُ لَهُمُ الْأَمْرُ وَيَتَشَخَّصُ لَرَأَوْا أَمْرًا هَائِلًا عَظِيمًا لَا يُتَصَوَّرُ نَظِيرُهُ، وَهُوَ مَجَازٌ لَا أَلْطَفَ مِنْهُ وَلَا أَبْدَعَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَذَابِ مَظَاهِرُهُ فَتَكُونُ مُسَلَّطَةً عَلَى مَحْسُوسٍ. وَقِرَاءَةُ ((وَلَوْ تَرَى)) أَيْ: لَوْ رَأَيْتَ حَالَ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ يَوْمَئِذٍ لَرَأَيْتَ كَذَا وَكَذَا. وَحَذْفُ جَوَابِ ((لَوْ)) مَعْهُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَفِي كَلَامِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَذَلِكَ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَوْ إِجْمَالًا. يَقُولُونَ فِي شَخْصٍ تَغَيَّرَ حَالُهُ وَانْتَقَلَ إِلَى طَوْرٍ أَعْلَى أَوْ أَدْنَى: لَوْ رَأَيْتَ فُلَانًا الْيَوْمَ - وَيَسْكُتُونَ - وَالْمُرَادُ مَعْلُومٌ وَالْإِجْمَالُ فِيهِ مَقْصُودٌ ; لِتَذْهَبَ النَّفْسُ فِي تَصْوِيرِهِ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَيَخْتَرِعُ لَهُ الْخَيَالُ مَا يُمْكِنُ مِنَ الصُّوَرِ، وَ (لَوْ) عَلَى كُلِّ حَالٍ هِيَ الَّتِي لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ لَا يُرَاعَى فِيهَا امْتِنَاعٌ لِامْتِنَاعٍ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ تَفْسِيرِ اتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ وَمَحَبَّتِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَبَّةِ مَا يَجِدُهُ الْمُحِبُّ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْأُنْسِ بِالْمَحْبُوبِ وَالثِّقَةِ بِهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَاللُّجْأِ إِلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَكْوَارِ الْإِنْسَانِ فِي وِجْدَانِهِ وَاعْتِقَادِهِ: إِنَّنَا قَدِ اشْتَرَطْنَا فِي ابْتِدَاءِ قِرَاءَةِ التَّفْسِيرِ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دِينٌ جَاءَ مُكَمِّلًا لِلْأَرْوَاحِ وَسَائِقًا لَهَا إِلَى سَعَادَتِهَا فِي طَوْرِهَا الدُّنْيَوِيِّ وَطَوْرِهَا الْأُخْرَوِيِّ. وَلَا يَتِمُّ لَنَا هَذَا إِلَّا بِالِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَنْ نَنْظُرَ فِي الْحُسْنِ الَّذِي يَمْدَحُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>