للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً) (٢٦: ١٣٥ - ١٣٩) إِلَخْ. وَقَوْلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ بَعْدَهُمْ إِذْ أَتَتْهُمْ آيَةُ النَّاقَةِ: (وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ) (٢٦: ١٥٦ - ١٥٨) إِلَخْ فَهَذَا تَأْوِيلُهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) أَيْ فَانْظُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ أَوِ الْعَاقِلُ الْمُعْتَبِرُ، كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِتَكْذِيبِ رُسُلِهِمْ، وَهُوَ تَأْوِيلُ وَعِيدِهِمْ لَهُمْ ; لِتَعْلَمَ مَصِيرَ الظَّالِمِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَذِهِ الْعَاقِبَةُ مُبَيَّنَةٌ بِالْإِجْمَالِ فِي قَوْلِهِ: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا

أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٢٩: ٤٠) وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْنَاهُ كُلَّهُ قَرِيبًا فِي الْآيَاتِ (٤٦ - ٥٥) .

وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فِي سُوَرٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا أَنْذَرَهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ، وَكَذَّبَهُ الْمُعَانِدُونَ الْمُقَلِّدُونَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ظَانِّينَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، لَا غَيْرَ فَاهِمِينَ لِمَعْنَاهُ أَوْ لِإِعْجَازِهِ، وَلَكِنْ قَضَتْ حِكْمَتُهُ تَعَالَى حِفْظَ قَوْمِهِ مِنْ تَكْذِيبِ أَكْثَرِهِمْ وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنْ أَخْذِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ لَهُمْ. وَارْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) (٧: ٥٣) إِلَخْ تَعْلَمْ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ مَا قَرَّرْنَاهُ هُوَ حَقُّ الْيَقِينِ الَّذِي لَا تَقَبْلُ غَيْرَهُ لُغَةُ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَّفِقُ مَعَ سَائِرِ الْآيَاتِ، وَأَنَّ مَا قَرَّرَهُ الرَّازِيُّ هُوَ الْبَاطِلُ وَالضَّلَالُ الْمُبِينُ الَّذِي تَدْحَضُهُ الْآيَةُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا ذَكَرْنَا بَعْضَهُ وَأَشَرْنَا إِلَى بَعْضٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَ شَيْخِنَا رَحِمَهُ اللهُ فِينَا إِذْ قَالَ:

وَيَخْرُجُ وَحْيُ اللهِ لِلنَّاسِ عَارِيًا ... مِنَ الرَّأْيِ وَالتَّأْوِيلِ يَهْدِي وَيُلْهِمُ

(اسْتِطْرَادٌ فِي الْمُتَكَلِّمِينَ وَتَفْسِيرِ إِمَامِهِمُ الرَّازِيِّ)

اعْلَمْ أَنَّ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ كَانَ إِمَامَ نُظَّارِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ فِي عَصْرِهِ، وَأَنَّ عُلَمَاءَ النَّظَرِ اعْتَرَفُوا لَهُ بِهَذِهِ الْإِمَامَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ أَقَلِّهِمْ حَظًّا مِنْ عَلَمِ السُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ، وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ، بَلْ وَصَفَهُ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ إِمَامُ عِلْمِ الرِّجَالِ فِي عَصْرِهِ بِالْجَهْلِ بِالْحَدِيثِ، فَلَمْ يَجِدِ التَّاجُ السُّبْكِيُّ مَا يُدَافِعُ بِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَشْعَرِيَّةِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَّا الِاعْتِرَافَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهَذَا الْعِلْمِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَا مَعْنَى لِطَعْنٍ عَلَيْهِ بِجَهْلِهِ وَلَا بِذِكْرِهِ فِي رِجَالِهِ الْمَجْرُوحِينَ وَلَا الْعُدُولِ.

أَمَّا عِلْمُهُ بِالْكَلَامِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ فِي وَصْفِ كِتَابِهِ (مُحَصِّلِ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ) مَا يُنْبِئُكَ بِحَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>