للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا صَحَّ مِنْ وَصْفِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْطِيلٍ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَجْعَلُهُ كَاللَّغْوِ، وَلَا تَمْثِيلٍ بِتَشْبِيهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ يُعَدُّ مِنَ النَّقْصِ، وَلَا تَأْوِيلٍ يُخْرِجُ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ عَنْ مَعْنَاهُ بِمَحْضِ الرَّأْيِ.

وَاعْلَمْ أَيُّهَا الْقَارِئُ أَنَّ الْخَوَاطِرَ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى، لَا تَنْقُصُ إِيمَانَ الْمُوقِنِ بِكِتَابِهِ وَصِدْقِ رَسُولِهِ الْمُتَّبِعِ لَهُمَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيمَنْ يُوَسْوِسُ لَهُ الشَّيْطَانُ: مَنْ خَلَقَ اللهَ؟ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِحَرْقِ جُثَّتِهِ لِئَلَّا يَبْعَثَهُ اللهُ وَيُعَذِّبَهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْوَسْوَسَةِ فَقَالُوا إِنَّ أَحَدَنَا لِيَجِدَ فِي نَفْسِهِ مَا لَأْنَ يَحْتَرِقُ حَتَّى يَصِيرَ حُمَمَةً) أَيْ فَحْمَةً) أَوْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟ قَالَ ((ذَلِكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، يَعْنِي أَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْهَا، وَأَنَّ كَرَاهَةَ الْمُؤْمِنِ لَهَا دَلِيلٌ عَلَى إِيمَانِهِ الْمَحْضِ الْخَالِصِ.

هَذَا وَإِنَّ أَكْثَرَ كِبَارِ النُّظَّارِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ قَدْ رَجَعُوا إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الْإِيمَانِ بِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَفِي مُقَدِّمَتِهِمْ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِلْبُخَارِيِّ (مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ) وَمِنْ قَبْلِهِ وَالِدُهُ الْإِمَامُ الْجُوَيْنِيُّ الَّذِي نَقَلَ السُّبْكِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّ عُلَمَاءَ عَصْرِهِ قَالُوا: لَوْ بَعَثَ اللهُ تَعَالَى نَبِيًّا فِي هَذَا الْعَصْرِ لَكَانَ الْجُوَيْنِيَّ، وَمِنْ بَعْدِهِمَا أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، وَنُقِلَ مِثْلُ هَذَا عَنِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ أَيْضًا رَحِمَهُمُ اللهُ وَرَحِمَنَا وَعَفَا عَنْهُمْ وَعَنَّا، وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ مِنْ قَبْلِ رُجُوعِهِ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ أَنَّ عِلْمَ الْكَلَامِ لَيْسَ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحِرَاسَةِ الْعَقِيدَةِ كَالْحَرَسِ لِلْحَاجِّ (وَأَقُولُ) إِنَّمَا رَاجَتْ كُتُبُهُ فِي عَصْرِهِمْ ; لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِلرَّدِّ عَلَى مَلَاحِدَتِهِمْ وَمُبْتَدِعَتِهِمْ وَلَا تَنْفَعُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَلَاحِدَةِ هَذَا الْعَصْرِ وَلَا مُبْتَدِعَتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا.

وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسِهِمْ لِلْعَقَائِدِ وَقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِيهَا عَلَى آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَالْمَأْثُورِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَسِيرَةِ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاءِ التَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى قَبْلَ ظُهُورِ الْبِدَعِ، وَمِنْ أَكْبَرِ الضَّلَالِ أَنْ يُعْتَمَدَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالِ الْمُتَكَلِّمِينَ، فَتُجْعَلَ أَصْلًا تُرَدُّ إِلَيْهَا آيَاتُ الْقُرْآنِ الْمُبِينِ، إِيثَارًا لِبَيَانِهِمْ عَلَى بَيَانِهِ.

وَإِنْ تَعَجَبْ فَعَجَبٌ جَعْلُهُمْ عَقِيدَةَ السَّنُوسِيَّةِ الصُّغْرَى الْأَسَاسَ الْأَوَّلَ لِتَعْلِيمِ

التَّوْحِيدِ فِي الْأَزْهَرِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ نَظَرِيَّاتٌ كَلَامِيَّةٌ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ، وَقَدْ أَخْطَأَ مُحْشُوهَا وَشُرَّاحُهَا فِي جَعْلِ التَّوْحِيدِ عِبَارَةً عَنْ نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ وَالْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ فِي ذَاتِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، أَوِ الْمُنْفَصِلِ فِي أَفْعَالِهِ فَقَطْ، وَهِيَ فَلْسَفَةٌ مُبْتَدَعَةٌ لَا يَعْرِفُهَا الشَّرْعُ وَلَا تَدُلُّ عَلَيْهَا اللُّغَةُ، كَمَا أَخْطَأَ مُؤَلِّفُهَا فِي تَفْسِيرِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) بِلَازِمٍ مِنْ لَوَازِمِهَا لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَاهَا الَّذِي لِأَجْلِهِ جُعِلَتْ عُنْوَانَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَتَحْكُمُ فِي صِفَاتِ اللهِ بِالظَّنِّ الَّذِي ذَمَّهُ اللهُ بِأَنَّهُ لَا يُغْنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>