مَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ فِي الْأَوْلِيَاءِ:
ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بَعْضَ الْأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ، وَأَقْرَبُ مَا رَوَوْهُ فِي تَفْسِيرِهَا إِلَى اصْطِلَاحِهِمْ فِي الْأَوْلِيَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعُ: ((إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ عِبَادًا يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ)) قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ ((هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا فِي اللهِ مِنْ غَيْرِ أَمْوَالٍ وَلَا أَنْسَابٍ، وُجُوهُهُمْ نُورٌ، عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ)) ثُمَّ قَرَأَ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ شَيْخِهِ أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كَثِيرٍ الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْتُهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضَعْفِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِثْلِ سَنَدِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْهُ إِلَّا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي زُرْعَةَ وَعَمْرٍو، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلَمْ أَرَهُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ مِنَ الْمُسْتَدْرَكِ وَمَا كُلُّ مَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ بِصَحِيحٍ، وَمَتْنُ هَذَا الْحَدِيثِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، مُوَافِقٌ لِقَوْلِ بَعْضِ أَوْلِيَاءِ الشَّيَاطِينِ: إِنَّ الْوَلِيَّ أَفْضَلُ مِنَ النَّبِيِّ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ وِلَايَةَ النَّبِيِّ أَفْضَلُ مِنْ نُبُوَّتِهِ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ شَيْطَانِيٌّ.
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا ((يَأْتِي مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ قَوْمٌ لَمْ تَتَّصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللهِ، وَتَصَافَوْا فِي اللهِ، يَضَعُ
اللهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يَفْزَعُونَ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) وَالْحَدِيثُ مُطَوَّلٌ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، وَفِيهِ مَقَالٌ لَهُمْ أَهْوَنُهُ مَا اكْتَفَى بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَهُوَ أَنَّهُ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ، وَذَكَرَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ: أَنَّهُ مِمَّا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ يَرْوِي الْمُنْكَرَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ هُوَ سَاقِطٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَوَرَدَ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ مَرْفُوعَةٍ وَآثَارٌ فِي تَفْسِيرِ الْبُشْرَى فِي الدُّنْيَا بِالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ. وَعَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمُجَاهِدٌ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرُهُمْ وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِآيَةِ ((حَمِ)) السَّجْدَةِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا آنِفًا مَعَ تَفْسِيرِهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ هُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ لِرُؤْيَتِهِمْ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْعُلَمَاءُ أَوْلِيَاءَ اللهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِيٌّ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ. فَهَذِهِ خُلَاصَةُ الرِّوَايَاتِ فِي الْآيَةِ.
وَإِنَّنَا لَمْ نَرَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَوْلِيَاءِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى كَلَامِ الصُّوفِيَّةِ مِنْهُ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute