للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كِتَابُ الْفُرْقَانِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ)

(اسْتِمْتَاعُ الْبَشَرِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَتَمَثُّلُهُمْ بِصُوَرِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْقِدِّيسِينَ)

هَذَا الْكِتَابُ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، بَيَّنَ فِيهِ تَحْقِيقَ الْحَقِّ فِي أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ أَهَمِّ مَبَاحِثِهِ مُلَابَسَةُ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ لِلنَّاسِ وَتَلْبِيسُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِمْتَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَظُهُورُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي صُوَرِ مَشَايِخِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْخِضْرِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالْإِيحَاءُ إِلَى بَعْضِهِمْ فِيمَا يُضِلُّهُمْ وَيُغْوِيهِمْ، وَظُهُورُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ فِيمَا هُوَ نَافِعٌ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لَهُ هُوَ نَفْسُهُ، وَفِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ مَبَاحِثِ التَّفْسِيرِ وَهَدْيِ السُّنَّةِ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ وَبَيْنَ السِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَاسْتِخْدَامِ الْجِنِّ وَالتَّأْوِيلِ الْبَاطِلِ وَوُجُوبِ الِاتِّبَاعِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَحِكَايَاتُ اسْتِخْدَامِ الْجِنِّ كَثِيرَةٌ فِي قَدِيمِ الْأُمَمِ كُلِّهَا وَحَدِيثِهَا، وَأَكْثَرُ الَّذِينَ يَدَّعُونَهَا أَوْ كُلُّهُمْ دَجَّالُونَ مُحْتَالُونَ عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَأَكْثَرُ مَنْ يَتَمَثَّلُونَ لَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَقِّقٌ وَصِدِّيقٌ لَا يَرْمِي الْقَوْلَ عَلَى عَوَاهِنِهِ.

وَمِمَّا قَالَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى رُؤْيَةُ مَنْ يَقُولُ لَهُمْ إِنَّهُ الْخِضْرُ وَإِنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي قَوْلِهِمْ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَتَرَاءَى لَهُمْ وَيَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ شَيْطَانٌ لَا الْخِضْرُ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَمِثْلُ ذَلِكَ ظُهُورُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّصَارَى عَقِبَ رَفْعِهِ وَبَعْدَهُ إِلَى الْآنِ ثُمَّ قَالَ:

((وَأَصْحَابُ الْحَلَّاجِ لَمَّا قُتِلَ كَانَ يَأْتِيهِمْ مَنْ يَقُولُ أَنَا الْحَلَّاجُ فَيَرَوْنَهُ فِي صُورَتِهِ،

وَكَذَلِكَ شَيْخٌ بِمِصْرَ يُقَالُ لَهُ الدِّسُوقِيُّ بَعْدَ أَنْ مَاتَ كَانَ يَأْتِي أَصْحَابَهُ مِنْ جِهَتِهِ رَسَائِلُ وَكُتُبٌ مَكْتُوبَةٌ، وَأَرَانِي صَادِقٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْكِتَابَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَرَأَيْتُهُ بِخَطِّ الْجِنِّ - وَقَدْ رَأَيْتُ خَطَّ الْجِنِّ غَيْرَ مَرَّةٍ - وَفِيهِ كَلَامٌ مِنَ الْجِنِّ، وَذَاكَ الْمُعْتَقِدُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّيْخَ حَيٌّ، وَكَانَ يَقُولُ انْتَقَلَ ثُمَّ مَاتَ، وَكَذَلِكَ شَيْخٌ آخَرُ كَانَ بِالْمَشْرِقِ وَكَانَ لَهُ خَوَارِقُ مِنَ الْجِنِّ، وَقِيلَ: كَانَ بَعْدَ هَذَا يَأْتِي خَوَاصَّ أَصْحَابِهِ فِي صُورَتِهِ فَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ هُوَ. وَالَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ بَقَاءَ عَلِيٍّ أَوْ بَقَاءَ مُحَمَّدِ بْنِ خَلِيفَةَ قَدْ كَانَ يَأْتِي إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ جِنِّيٌ فِي صُورَتِهِ، وَهَكَذَا مُنْتَظَرُ الرَّافِضَةِ قَدْ يَرَاهُ أَحَدُهُمْ أَحْيَانًا وَيَكُونُ الْمَرْئِيُّ جِنِّيًّا.

((فَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَاقِعٌ كَثِيرًا، وَكُلَّمَا كَانَ الْقَوْمُ أَجْهَلَ كَانَ عِنْدَهُمْ أَكْثَرَ، فَفِي الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي النَّصَارَى، وَهُوَ فِي النَّصَارَى كَمَا هُوَ فِي الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ يُسْلِمُ بِسَبَبِهَا نَاسٌ وَيَتُوبُ بِسَبَبِهَا نَاسٌ يَكُونُونَ أَضَلَّ مِنْ أَصْحَابِهَا فَيَنْتَقِلُونَ بِسَبَبِهَا إِلَى مَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>