فَثَبَتَ إِذًا أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ تَعَالَى الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، هُمْ مَنْ عَرَّفَهُمْ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْحَقِّ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وَأَنَّهُمْ دَرَجَاتٌ كَمَا بَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٥: ٣٢) فَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: مَنْ يُقَصِّرُ فِي اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَلَوْ بِتَرْكِ بَعْضِ الْفَضَائِلِ، وَالْمُقْتَصِدُ: مَنْ يَتْرُكُ مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَيَفْعَلُ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْقَاصِرَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالنَّوَافِلِ، وَالتَّكَمُّلِ بِالْفَضَائِلِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّأَدُّبِ وَالتَّأْدِيبِ، حَتَّى يَكُونَ إِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ، فَهَذِهِ دَرَجَةُ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ شُهَدَاءِ اللهِ وَالصِّدِّيقِينِ وَمَا قَبْلَهَا دَرَجَةُ الصَّالِحِينَ مِنَ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَرَاجِعْ سُورَتَيِ الْوَاقِعَةِ وَالْمُطَفِّفِينَ، فَفِيهِمَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) (٤: ٦٩) وَهِيَ تَفْسِيرٌ لِدُعَائِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (١: ٦، ٧) .
وَبِهَذَا تَقُومُ حُجَّةُ اللهِ عَلَى الْعَالَمِينِ بِأَنَّ هَذَا الدِّينَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ أَكْمَلَهُ لَنَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ اللهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا خَاتَمَ النَّبِيِّينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِمَّا ابْتَدَعَهُ النَّاسُ فِيهِ بِفَلْسَفَتِهِمُ الْعَقْلِيَّةِ أَوِ النَّفْسِيَّةِ أَوْ بِمَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْكَشْفِ لَمَا صَحَّتْ شَهَادَةُ اللهِ بِإِكْمَالِهِ، وَلَا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لَا مِنْ عِنْدِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَهَذَا كُلُّ غَرَضِنَا مِنْ هَذَا الْبَحْثِ، وَقَدْ أُظْهِرَ بِهِ الْحَقُّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَّاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute