للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعِنَادًا، حَتَّى يَسْتَحِقُّوا تَعْجِيلَ عِقَابِكَ فَتُعَاقِبَهُمْ (فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) هَذَا جَوَابٌ لِلدُّعَاءِ أَوْ دُعَاءٌ آخَرُ بِلَفْظِ النَّهْيِ مُتَمِّمٌ لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُوسَى دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ وَأَمَّنَ هَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ، فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لَهُمَا بِقَوْلِهِ:

(قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) أَيْ قُبِلَتْ، وَإِذَا قُبِلَتْ نُفِّذَتْ (فَاسْتَقِيمَا) عَلَى مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ مِنْ دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِلَى الْحَقِّ، وَمِنْ إِعْدَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِلْخُرُوجِ مِنْ مِصْرَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَامْضِيَا لِأَمْرِي وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ (وَلَا تَتَّبِعَانِّ

سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) أَيْ وَلَا تَسْلُكَانِ طَرِيقَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ سُنَّتِي فِي خَلْقِي وَإِنْجَازِ وَعْدِي لِرُسُلِي، فَتَسْتَعْجِلَا الْأَمْرَ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَتَسْتَبْطِئَا وُقُوعَهُ فِي إِبَّانِهِ.

هَذَا - وَإِنَّ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ مَا يُفَسِّرُ اسْتِجَابَةَ هَذَا الدُّعَاءِ، بِمَا يُوَافِقُ مَا قُلْنَاهُ هُنَا مِنْ إِرْسَالِ اللهِ النَّوَازِلَ عَلَى مِصْرَ وَأَهْلِهَا، وَلُجُوءِ فِرْعَوْنَ وَآلِهِ إِلَى مُوسَى عِنْدَ كُلِّ نَازِلَةٍ مِنْهَا لِيَدْعُوَ رَبَّهُ فَيَكْشِفَهَا عَنْهُمْ فَيُؤْمِنُوا بِهِ، حَتَّى إِذَا مَا كَشَفَهَا قَسَّى الرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَأَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ، وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ) . إِلَى قَوْلِهِ: (وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (٧: ١٣٣: ١٣٦) مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَفَهَا مِنْ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَى الطَّمْسِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ مِنْ أَبَاطِيلِ الرِّوَايَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ مِنْ مَقَاصِدِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ)) وَأَمْثَالِهِ مِنْهَا (كَمَا نَرَى) صَدَّ الْيَهُودِ عَنِ الْإِسْلَامِ، بِمَا يَرَوْنَهُ فِي تَفْسِيرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفًا لِمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ فِي وَقَائِعَ عَمَلِيَّةٍ وَأُمُورٍ حِسِّيَّةٍ.

(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكِ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>