للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَكْثَرَ أُمَمِ الْأَرْضِ وَثَنِيَّةٌ وَتَوَارِيخُهَا عَرِيقَةٌ فِي ذَلِكَ، كَقُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَالْكَلْدَانِيِّينَ وَالْأَشُورِيِّينَ وَالْفُرْسِ وَالْهِنْدِ وَالصِّينِ وَشُعُوبِ الْإِفْرِنْجِ الْقَدِيمَةِ وَكَذَا قُدَمَاءِ أَمْرِيكَةَ. وَجَوَابُهَا أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمَمِ لَهَا أَدْيَانٌ قَائِمَةٌ عَلَى الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا جَمِيعُ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ، وَهِي الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقَدْ طَرَأَتْ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا التَّقَالِيدُ الْوَثَنِيَّةُ طُرُوءًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَبَاحِثِ الْوَحْيِ، وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَمِ حَتَّى الْمُسْلِمِينَ.

(٥) فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ عَانَدَهُ قَوْمُهُ قَضَى اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، وَالْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَهَا فِي تَكْذِيبِ قَوْمِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَتُذْكَرُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.

(٦) مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذَا قِصَّةُ نُوحٍ مَعَ قَوْمِهِ فِي خُلَاصَةِ دَعْوَتِهِ لَهُمْ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ، وَإِهْلَاكِ اللهِ إِيَّاهُمْ بِالْغَرَقِ، وَإِنْجَاءِ نُوحٍ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وَجَعْلِهِمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ ٧١ - ٧٣ وَيَلِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرُّسُلِ الَّذِينَ بُعِثُوا بَعْدَهُ إِجْمَالًا، وَيَلِيهَا قِصَّةُ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَغَايَتُهَا أَنَّهُ تَعَالَى أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ أَتْبَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ بِالْغَرَقِ، وَأَنْجَى مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَعَلَهُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ إِلَى حِينٍ، وَهِيَ فِي الْآيَاتِ ٧٥ - ٩٣ وَسَنُبَيِّنُ مَا فِي هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ فِي قَصَصِ الرُّسُلِ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .

(٧) فِي الْآيَةِ ٩٨ الْعِبْرَةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِقَوْمِ يُونُسَ، بِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا عَذَابَ الْخِزْيِ وَالِاسْتِئْصَالِ بِعِنَادِهِمْ لِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ كَمَا اسْتَحَقَّهُ قَوْمُ يُونُسَ، وَأَنَّهُمْ إِذَا آمَنُوا قَبْلَ وُقُوعِ هَذَا الْعَذَابِ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ كَمَا نَفَعَ قَوْمَ يُونُسَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

(الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)

وَسِيرَتِهِ مَعَ قَوْمِهِ وَعَاصِمَةِ بِلَادِهِ، وَنَجْعَلُ آيَاتِهِ فِي أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا

(١) فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْكَافِرِينَ أَنْكَرُوا دَعْوَةَ نُبُوَّتِهِ، وَعَجِبُوا مِنْهَا أَنْ كَانَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَسَمُّوا آيَتَهُ سِحْرًا وَنَبَزُوهُ بِلَقَبِ سَاحِرٍ مُبِينٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَحْيِ وَعَلَى الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشُبْهَةُ السِّحْرِ لَا تُخِيلُ (أَيْ لَا تَشْتَبِهُ؛ مِنْ أَخَالَ الْأَمْرُ إِذَا أَشْكَلَ وَاشْتَبَهَ) فِي الْقُرْآنِ كَالْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالُوهُ تَكَلُّفًا وَعِنَادًا.

(٢) فِي الْآيَةِ ١٥ أَنَّهُمُ اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَعْجَزَهُمْ أَمْرُهُ أَوْ أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَفِي الْآيَةِ ١٦ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا، وَيَلِيهَا تَأْيِيدُ الرَّدِّ.

(٣) فِي الْآيَةِ ٢٠ اقْتِرَاحُهُمْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ كَوْنِيَّةٍ وَجَوَابُهُ لَهُمْ: وَفِي الْآيَتَيْنِ ٩٦، ٩٧ أَنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ بِفَقْدِهِمُ الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَانِ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَهُمْ كُلُّ آيَةٍ كَوْنِيَّةٍ مِمَّا اقْتَرَحُوا وَمِمَّا لَمْ يَقْتَرِحُوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>