للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، وَأَنَّ اللهَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.

إِذَا عَدَدْتَ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَجَدْتَهَا تَبْلُغُ زُهَاءَ الثُّلُثِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَلَكِنَّكَ لَا تَشْعُرُ عِنْدَمَا تَقْرَأُ السُّورَةَ أَنَّكَ تُكَرِّرُ مَعْنًى وَاحِدًا فِيهَا يَبْلُغُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَلْبِكَ وَيَمْلَؤُهُ إِيمَانًا بِلِقَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَالْخَوْفِ مِنْ حِسَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَالرَّجَاءِ فِي عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَثَوَابِهِ، وَمَا كَانَ التَّكْرَارُ إِلَّا لِأَجْلِ هَذَا، فَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَبْلَغُ الْبَشَرِ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ كَهَذَا؟ لَا لَا.

الْبَابُ الْخَامِسُ

فِي صِفَاتِ الْبَشَرِ وَخَلَائِقِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَسُنَنِ اللهِ فِيهَا وَهِيَ نَوْعَانِ

(النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الصِّفَاتُ الذَّمِيمَةُ الَّتِي تَجِبُ مُعَالَجَتُهَا بِالتَّهْذِيبِ الدِّينِيِّ)

(الْأُولَى: الْعَجَلُ وَالِاسْتِعْجَالُ) قَالَ اللهُ تَعَالَى: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) (٢١: ٣٧) وَقَالَ: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) (١٧: ١١) وَمِنْ شَوَاهِدِ هَذِهِ الْغَرِيزَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) (١١) وَمِنْهَا اسْتِعْجَالُهُمْ بِالْعَذَابِ الَّذِي وَعَدَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَرَاهُ فِي سِيَاقِهِ مِنَ الْآيَتَيْنِ ٥٠ و٥١.

(الثَّانِيَةُ: الظُّلْمُ) قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (١٤: ٣٤) وَقَالَ فِي آيَةِ الْأَمَانَةِ: (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (٣٣: ٧٢) وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذِهِ الْخَلِيقَةِ أَوِ الشِّيمَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا تَرَاهُ فِي الْآيَاتِ ٤٤ و٨٥ و١٠٦.

(الثَّالِثَةُ: الْكُفْرُ بِاللهِ وَبِنِعَمِهِ) قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْإِنْسَانِ مِنْ سُورَتِهِ سُورَةِ الدَّهْرِ: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (٧٦: ٣) وَوَصَفَهُ بِالْكَفُورِ فِي سُورِ الْإِسْرَاءِ وَالْحَجِّ وَالشُّورَى، وَبِالْكَفَّارِ (بِالْفَتْحِ لِلْمُبَالَغَةِ) فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَذُكِرَتْ آنِفًا، وَلَكِنَّ ذِكْرَ الْكُفْرِ بِلَفْظِهِ وَمُشْتَقَّاتِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَلِيلٌ، ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْكَافِرُونَ بِالْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَفِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ جَزَاءُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْآخِرَةِ

بِكُفْرِهِمْ، وَذُكِرَ فِي الْآيَةِ ٨٦ فِي دُعَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالنَّجَاةِ مِنْ حُكْمِ الْكَافِرِينَ.

وَأَمَّا ذِكْرُهُ بِالْمَعْنَى فَهُوَ كَثِيرٌ فِيهَا، فَمِنْهُ مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّكْذِيبِ وَعَدَمِ الرَّجَاءِ بِلِقَاءِ اللهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>