للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيَظْهَرَ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ إِتْقَانًا لِمَا يَعْمَلُهُ، وَنَفْعًا لَهُ وَلِلنَّاسِ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَخَّرَ لَكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَجَعَلَكُمْ مُسْتَعِدِّينَ لِإِبْرَازِ مَا أَوْدَعَهُ فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَمِنْ حِكَمِ خَالِقِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ فِيهِ، وَمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِفْسَادِ وَالضَّرَرِ بِهِ ; لِيَجْزِيَ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا تَفْصِيلُ هَذَا الْبَلَاءِ فِي تَفْسِيرِ: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ

بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦: ١٦٥) وَغَيْرِهِ: (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) أَيْ وَتَاللهِ لَئِنْ قُلْتَ لِلنَّاسِ فِيمَا تُبَلِّغُهُمْ مِنْ وَحْيِ رَبِّهِمْ: إِنَّكُمْ سَتُبْعَثُونَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لِيَجْزِيَكُمْ رَبُّكُمْ بِعَمَلِكُمْ فِيمَا بَلَاكُمْ بِهِ: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٥٣: ٣١) فَإِنَّهُ مَا خَلَقَكُمْ سُدًى، وَلَا سَخَّرَ لَكُمْ هَذَا الْعَالَمَ وَاسْتَخْلَفَكُمْ فِيهِ عَبَثًا: (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أَيْ لَيُجِيبَنَّكَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ قَائِلِينَ: مَا هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ لِتُسَخِّرَنَا بِهِ لِطَاعَتِكَ إِلَّا سِحْرٌ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ تَسْحَرُ بِهِ الْعُقُولَ، وَتُسَخِّرُ بِهِ الضَّمَائِرَ وَالْقُلُوبَ، فَتُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَعَشِيرَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ، مُعْتَقِدِينَ بِسُلْطَانِ بَلَاغَتِهِ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ ثُمَّ يُبْعَثُونَ وَيُجْزَوْنَ بِكُلِّ مَا يَفْعَلُونَ، (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) (٢٣: ٣٦) .

(عِلَاوَةً فِي آيَاتِ التَّكْوِينِ وَمَا فِيهَا مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ الْعِلْمِيِّ) :

إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - ذَكَرَ عَرْشَهُ مَعَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي بِضْعِ آيَاتٍ بَيَّنَ فِي كُلٍّ مِنْهَا شَأْنًا مَنْ شُئُونِهِ. فَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ذَكَرَ سُنَنَهُ فِي إِغْشَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَطَلَبِهِ طَلَبًا حَثِيثًا، وَتَسْخِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَهُوَ النِّظَامُ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ هَذَا النِّظَامُ الشَّمْسِيُّ بِدَوَرَانِ الْأَرْضِ حَوْلَ شَمْسِهَا، وَدَوْرَانِ الْقَمَرِ حَوْلَ أَرْضِهِ. وَفِي آيَةِ " يُونُسَ " (٣) ذَكَرَ التَّدْبِيرَ الْعَامَّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى شَفِيعٍ ; إِذْ أَمْرُ الشُّفَعَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِذْنِهِ، ثُمَّ وَضَّحَهُ بِآيَةِ: (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) (١٠: ٥) وَتَقْدِيرَهُ ((مَنَازِلَ)) وَفِي آيَةِ " هُودٍ " (٧) ذِكْرُ مَا لِلْمَاءِ مِنَ الشَّأْنِ فِي خَلْقِ الْأَحْيَاءِ، وَلِهَذَا الْمَاءِ ثَلَاثَةُ مَظَاهِرَ، أَوْسَطُهَا السَّائِلُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ الْحَيَوَانُ وَيُسْقَى بِهِ النَّبَاتُ، وَهُوَ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي حَالِ اعْتِدَالِ الْحَرَارَةِ، فَإِذَا نَقَصَتْ إِلَى دَرَجَةٍ مُعَيَّنَةٍ صَارَ ثَلْجًا أَوْ جَلِيدًا، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ صَارَ بُخَارًا، فَإِذَا كَشَفَ سُمِّيَ ضَبَابًا وَسَدِيمًا، فَإِذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ سُمِّيَ دُخَانًا. وَفِي آيَةِ " الرَّعْدِ " (٢) جَمَعَ بَيْنَ تَسْخِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَتَدْبِيرِ الْأَمْرِ وَتَفْصِيلِ الْآيَاتِ، وَآيَةُ " طه " (٥) ذَكَرَ بَعْدَهَا أَنَّ: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) (٢٠: ٦) وَآيَةُ الْفُرْقَانِ (٥٩) ذَكَرَ بَعْدَهَا أَنَّهُ: (جَعَلَ فِي السَّمَاءِ

بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) (٦١) فَذِكْرُ الْبُرُوجِ تَفْصِيلٌ لِنِظَامِ الزَّمَانِ، وَآيَةُ الم السَّجْدَةِ (٤) نَفَى فِيهَا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ أَوْ شَفِيعٌ، وَقَفَّى عَلَيْهَا بِتَدْبِيرِ الْأَمْرِ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>