السِّيَاقُ يُشْبِهُ سِيَاقَ الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا.
وَفِي الْمُرَادِ بِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ فِيهَا وَجْهَانِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَامٌّ قُوبِلَ بِهِ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ مَنْ لَا يُرِيدُونَ مِنْ حَيَاتِهِمْ إِلَّا لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ هِيَ نُورُ الْبَصِيرَةِ الْفِطْرِيَّةِ وَالْحُجَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي يُمَيِّزُ بِهَا الْإِنْسَانُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ. وَالْمَعْنَى: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ وَبَصِيرَةٍ فِي دِينِهِ مِنْ رَبِّهِ - فَهُوَ كَقَوْلِهِ: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (٣٩: ٢٢) (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) أَيْ وَيَتْبَعُ هَذَا النُّورَ الْفِطْرِيَّ وَالْبُرْهَانَ الْعَقْلِيَّ الْمُرَادَ بِالْبَيِّنَةِ، وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا مُذَكَّرًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا، وَيُؤَيِّدُهُ نُورٌ آخَرُ غَيْبِيٌّ إِلَهِيٌّ مِنْهُ - تَعَالَى - يَشْهَدُ بِحَقِّيَّتِهِ وَصِحَّتِهِ، وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ، الَّذِي هُوَ مَشْرِقُ النُّورِ وَالْهُدَى وَالْبُرْهَانِ (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً) وَيَتْبَعُهُ وَيُؤَيِّدُهُ شَاهِدٌ آخَرُ جَاءَ مِنْ قَبْلِهِ، وَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَالَ كَوْنِهِ إِمَامًا مُتَّبَعًا فِي الْهُدَى وَالتَّشْرِيعِ، وَرَحْمَةً لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَشَهَادَتُهُ لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: شَهَادَةُ مَقَالٍ وَشَهَادَةُ حَالٍ ; فَالْأُولَى تَصْرِيحُهُ بِالْبِشَارَةِ
بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَرِسَالَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مُفَصَّلَةً فِي تَفْسِيرِ (٧: ١٥٧) ، وَالثَّانِيَةُ مَا بَيْنَ رِسَالَةِ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنَ التَّشَابُهِ.
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَفَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنُهُ فِي كَمَالِ الْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ، الَّذِي عَرَفَ بِهِ حَقِّيَّةَ الْوَحْيِ الْعَامِّ الْأَخِيرِ، وَمَا فِيهِ مِنْ كَمَالِ الْهِدَايَةِ وَالنُّورِ، وَعَرَفَ تَأْيِيدَهُ بِالْوَحْيِ السَّابِقِ الَّذِي اهْتَدَى بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَاتَّسَقَتْ لَهُ أَنْوَارُ الْحُجَجِ الثَّلَاثِ فِي هِدَايَةِ دِينِهِ، كَمَنْ كَانَ يُرِيدُ مِنْ حَيَاتِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا النَّاقِصَةَ الْفَانِيَةَ وَزِينَتَهَا الْمُوَقَّتَةَ، مَحْرُومًا مِنَ الْحَيَاةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ الْعَالِيَةِ، الْمُوصِلَةِ إِلَى سَعَادَةِ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ؟ ! .
(أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أَيْ أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيِّنَةِ الْوَهْبِيَّةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute