للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْإِصْلَاحِ، وَانْتِظَارِ عَاقِبَتِهَا مِنَ النَّصْرِ وَالْفَلَاحِ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْإِحْسَانِ الَّذِي لَا جَزَاءَ لَهُ إِلَّا الْإِحْسَانُ، - فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ - فِي أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، بَلْ يُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَكِنَّ لِلْجَزَاءِ فِي أُمُورِ الْأُمَمِ آجَالًا وَأَقْدَارًا يَجِبُ الصَّبْرُ فِي انْتِظَارِهَا، وَعَدَمُ اسْتِعْجَالِهَا قَبْلَ أَوَانِهَا.

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فِي بَيَانِ سُنَنِ اللهِ الْعَامَّةِ فِي إِهْلَاكِ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ قَصَّ عَلَى رَسُولِهِ قِصَصَهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ، جَاءَتْ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِ عَاقِبَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْذَارِ قَوْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ، مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ آمَنَ وَتَابَ مَعَهُ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ وَالصَّلَاحِ، وَاجْتِنَابِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، قَالَ: - فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ - " لَوْلَا " تَحْضِيضِيَّةٌ بِمَعْنَى: هَلَّا، وَالْقُرُونُ: الْأُمَمُ وَالْأَقْوَامُ، وَالْقَرْنُ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ: " الْجِيلُ مِنَ النَّاسِ. قِيلَ: ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: سَبْعُونَ " أَقُولُ: ثُمَّ اشْتُهِرَ تَقْدِيرُهُ بِمِائَةِ سَنَةٍ. وَالْبَقِيَّةُ مِنَ الشَّيْءِ مَا يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ ذَهَابِ أَكْثَرِهِ، وَمِنَ النَّاسِ كَذَلِكَ، وَاسْتُعْمِلَ فِي الْخِيَارِ وَالْأَصْلَحِ وَالْأَنْفَعِ، قِيلَ: لِأَنَّ النَّاسَ يُنْفِقُونَ فِي الْعَادَةِ أَرْدَأَ مَا عِنْدَهُمْ وَأَقْرَبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>