للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ وَاحِدٍ، وَإِذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا يُقْتَلُ هُوَ بِهِ لَا سَيِّدُهُ، وَلَا أَحَدُ الْأَحْرَارِ مِنْ قَبِيلَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إِذَا قَتَلَتْ تُقْتَلُ هِيَ، وَلَا يُقْتَلُ وَاحِدٌ فِدَاءً عَنْهَا، خِلَافًا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ نَفْسِهِ أَيًّا كَانَ، لَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ قَبِيلَتِهِ، فَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ فِي الثَّأْرِ يُبَيِّنُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْآيَةِ، وَلَكِنَّ مَفْهُومَ اللَّفْظِ بِحَدِّ ذَاتِهِ وَسِيَاقِ مُقَابَلَةِ الْأَصْنَافِ بِالْأَصْنَافِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فَرِيقٌ بِفَرِيقٍ آخَرَ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ ; فَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ مِنْ زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْآنِ عَلَى قَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَدَاوُدُ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ سَيِّدَهُ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا، وَالِاخْتِلَافُ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ أَضْعَفُ، وَلِهَذِهِ الْخِلَافَاتِ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ نَسْخًا.

وَإِنَّمَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ أَدِلَّةٌ أُخْرَى مِنَ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا، وَالِاعْتِبَارُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْآيَةِ وَعَدَمِهِ، وَالْقُرْآنُ فَوْقَ كُلِّ خِلَافٍ. فَمَنْطُوقُ الْآيَةِ لَا مَجَالَ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ إِلَخْ، وَأَمَّا كَوْنُ الْحُرِّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ وَالرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ فَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ الْقِصَاصِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَفْهُومُ التَّفْصِيلِ، فَإِنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْأُصُولِ لَا يَعْتَبِرُ الْمَفْهُومَ الْمُخَالِفَ لِلْمَنْطُوقِ، وَبَعْضَهُمْ يَعْتَبِرُهُ بِشَرْطٍ لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا لِمَا ذَكَرُوهُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ مُنْطَبِقًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْعَرَبِ.

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ دِمَاءٌ، وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا طَوْلٌ عَلَى الْآخَرِ فَأَقْسَمُوا لَنَقْتُلَنَّ الْحُرَّ مِنْكُمْ بِالْعَبْدِ وَالذَّكَرَ بِالْأُنْثَى، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ تَحَاكَمُوا إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَبَارَءُوا. وَلَا تَدُلُّ عَلَى أَلَّا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالذَّكَرُ بِالْأُنْثَى، كَمَا لَا تَدُلُّ عَلَى عَكْسِهِ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ يُعْتَبَرُ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لِلتَّخْصِيصِ غَرَضٌ سِوَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ اهـ. وَالْبَيْضَاوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ الْكَافِرُ، وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْرِيُّ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ:

لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ، لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُبَيِّنِ لِإِجْمَالِ الْآيَةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهَا السَّيِّدَ يَقْتُلُ عَبْدَهُ، قَالُوا: لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ، وَلَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ إِلَّا عَنِ النَّخَعِيِّ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُقَرِّرَ هَذَا التَّعْزِيرَ بِشِدَّةٍ تَمْنَعُ الِاعْتِدَاءَ وَالِاسْتِهَانَةَ بِالدَّمِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْزِيرَ قَدْ يَكُونُ بِالْقَتْلِ، فَإِذَا عُهِدَ فِي قَوْمٍ مِنَ الْقَسْوَةِ مَا يَقْتُلُونَ بِهِ عَبِيدَهُمْ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ السَّيِّدَ بِعَبْدِهِ تَعْزِيرًا لَا حَدًّا إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَوْا أَيْضًا الْوَالِدَيْنِ فَقَالُوا: لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ، وَعَلَّلَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْحُدُودَ تُوضَعُ حَيْثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>